ثم ارجع البصر ..!

الإنسان يعلو على الإنسان بالبحث عن المعنى” .. مصطفى محمود..!

(1)

كم مرة افترضت الطھر والعفاف في سیدة متنقبة لا تعلم من أمر سلوكھا الشخصي شیئاً.. وكم مرة خضت في عرض أخرى لمجرد كونھا لا ترتدي الحجاب؟ .. كم مرة اطمأن قلبك إلى صاحب سلعة لیس لأن بضاعته جیدة بل لأن كان یملك لحیة طلیقة، ويحمل مسبحة أنيقة؟ .. كم مرة سألت نفسك: لماذا تتقدم الشعوب الكافرة ونتقھقر نحن على الرغم من كل مظاھر التدین التي نحرص على إتیانھا حكومة وشعباً؟ .. لماذا تتقدم دولُ ملحدة وتتأخر أخرى مسلمة؟ .. لماذا ترتقي بعض الشعوب رقياً نورانیاً وھي بعیدة كل البعد عن تلك الروحانیات التي تبثھا المآذن والمنابر وحلقات الذكر في بلادنا على مدار الیوم والساعة؟ .. إنها لعنة فك الارتباط بين العبادات والمعاملات.. هو ذلك الجفاء الهائل الذي بات يطغى على علاقة الظاهر بالباطن.. حتى كاد أن يصبح للالتزام الديني معنى، ولمكارم الأخلاق معنى آخر.. والمنهج الإسلامي القويم من كل ذلك براء ..!

(2)

تأمل في تاريخ مناخات الممارسة السیاسیة، وطقوس الخدمة المدنیة، تفرس في سلوك مديري الإدارات والمؤسسات.. ثم تأمل ذات السلوك في حاضر ما بعد الثورة، ولسوف تخلص قانعاً إلى أن كل مسئول تبوأ منصباً بفضل ولائه السیاسي في ھذا البلد ھو مشروع طاغیة.. القلیل من السلطة یعني القلیل من الفساد، والسلطة المطلقة تعني الفساد المطلق .. وھذا یعني – بالضرورة! – أن تاریخ التغیير السیاسي في ھذا البلد سوف یبقى سلسلة انتقالات من سواعد المستبدین إلى أكف الطغاة، إن لم تتغیر “أنت” .. تغییرك لا یعني أن تھدم جبلاً أو تحفر بئراً .. فقط جرِّب أن تفرد مساحة مقدرة لكلمة “لا” في رقعة ردود أفعالك ..!

(3)

حالة الأسیاد في السیاسة السودانیة لیست ظاھرة أو عرضاً موسمیاً، بل تاریخ مقیم، صحیح أن الأحزاب الطائفیة التي تقوم على ازدواجیة الزعامة والانتماء – وبالتالي شراسة الولاء – قد كرست لھذا النمط من الممارسة السیاسیة، لكن السبب الرئیس – في تقدیري – ھو استعداد الشخصیة السودانیة للتصوف في ممارسة العضویة الحزبیة والدروشة في حضرة الأسیاد الزعماء. ولأن المسألة مرتبطة بطبيعة الشخصية السياسية السودانية فإنها لا تزال حاضرة في مرحلة ما بعد الثورة .. لكن الناس في ھذا البلد ما عاد یكفیھا أن تتبع أحداً .. ولا بات یرضیھا أن تؤله سیداً .. جَفَّت أقلام التألیه.. ورُفعَت صحف القداسة ..!

                                       

 (4)

متى یشرع عقلنا الجمعي في إزالة اللبس بین الجدارة الأكادیمیة والوعي الاجتماعي، بین مصادر المعرفة وساحات التطبیق؟ .. متى نجتھد في فض الاشتباك بین علو الدرجات الأكادیمیة وعلو سقف الأفكار والقناعات؟ .. بین النضج الإنساني والذكاء العاطفي الذي تتطلب وجوده علاقات الزواج وما یدرس في الجامعات؟ .. نحن مجتمع یتقدم لخطبة الشھادة .. ویتزوج الصفة المھنیة .. ویعیش تحت سقف واحد مع “البرستیج” الاجتماعي .. مجتمع یستجدي معظم  أفراده احترام الآخرین بعقد الشراكات المھنیة الذكیة لذلك ینتھون في الغالب جیران غرباء، تربطھم وحدة النسل والمصالح .. أما عري الروح وإفلاس الفكرة فأسرار یحفظھا باب مغلق وتفضحھا مشورة ھاتفیة في برنامج اجتماعي ..!

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى