إساءة واستفزاز عالي المستوى !

لكل شخص مشاربه الدينية ومُكوِّناته الثقافية المُستمدة من بيئته ومجتمعه وإثنيته والأحوال والظروف المحيطة بحياته، فالبدوي غير الحضري ، والحُر غير العبد، والعسكري المقاتل غير “الملكي النايم”، والغني المتنعم غير الفقير المُعدم، الى آخر ما شاكل ذلك من المُتقابلات! الإنسان مهما كان مستوى تدُيّنه وعلمه فإنه يتأثر بدرجةٍ ما بهذه الخلفيات والمعطيات، وقد تجدها “هادَّة” ومؤثِّرة بوضوح على ذهنه وسلوكه وطريقة تعامله مع الآخرين .

هناك نوع من المزاح لا يصلح إطلاقاً مع أهل البداوة لكنه عند أهل الحضر “عادي” حيث يقبلونه بل قد يستلطفونه! هناك مفردات وألفاظ لا يقبلها شخص متدين متخلق بأخلاق الإسلام لكن لا يتوقف عندها أحد في أوكار الصعلكة وقاع المدينة ! وهناك مفردات يتقبلها العبيد المماليك لكن الأحرار لا يتسامحون معها إطلاقاً! ولذلك فإن أي شخص يتعامل مع آخرين أو يتحدث عنهم يلزمه أن يعرف جيداً نوع وقدر ووزن هؤلاء الآخرين حتى لا يقع في شر أعماله !

غريبٌ أن قوة عسكرية ضاربة مثل قوات الدعم السريع، أدت ولا تزال تؤدي أدواراً واضحة وملموسة في حماية البلاد وأمنها واستقرارها، شهدت لها ربوع دارفور وجنوب كردفان وكافة مناطق النزاع، شهدت لها الحدود الشمالية والغربية والشرقية، وشهدت لها العاصمة حيث الحاجة الملحة للأمن المجتمعي والخدمات الأساسية.. قوة يسعى قادتها للسلام الشامل ويصطلي أفرادها بهجير الشمس وهم صامتون محتسبون! غريبٌ أن قوة كهذه تتعرض لاستفزاز عالي التركيز واتهام مفاده أنها مجرد “همج وجنجويد” مجرمين !

قوة تحميك كوزير بل تحمي كل حكومتك، ظلت هذه القوة تتحمل لأشهر طوال فاتورة الخبز والوقود والكهرباء والدواء بل حتى طباعة العملة الوطنية، ظل أفرادها مرتكزون في الجسور والتقاطعات والمفاصل، يتفاعلون ميدانياً مع أي بلاغ، يتعاملون بفعالية مع كافة حالات التهريب عبر مختلف المسارات، قوة كهذه أليس من العدل والعقل تقديرها وتكريمها بدلاً من الإساءة إليها وتكرار اتهامات ممجوجة قديمة لها بأنهم “جنجويد” تنبغي محاكمتهم؟!

كتبنا من قبل أن “قدس” ليست مقدسة، ومن لديه مواجع واتهامات ضدها أو ضد غيرها بفض الاعتصام وارتكاب انتهاكات فليتوجه إلى ساحات القضاء مباشرة أو عبر نتائج التحقيق الذي أعلنت عن إجرائه الحكومة، قلنا ونقول إنه لابد من كشف حقائق ملف الاعتصام ومحاسبة القتلة والمتجاوزين، لكن ذلك لا يُبرِّر أبداً إنكار حقيقة الأدوار العظيمة لـ”قُدس” أو يبرر رميها بالاتهامات السخيفة وكأنها مجرد “حيطة قصيرة” يتنفس فوقها كل باحث عن بطولة  !

الوزير الذي اتهم “قدس” بتلك الاتهامات الظالمة، رُبما يلزمه أخلاقياً الاستقالة من الحكومة لأن “الدعم السريع” مُكوِّن أساسي ضمن هياكل السلطة الانتقالية الحالية، ثم عليه كناشط قحتاوي الذهاب باتهاماته الى ساحات القضاء الوطني والدولي، أو عليه التقدم باعتذار صريح وشفيف ومُغلّظ للدعم السريع بأنه قال ما قال في لحظة طيش سياسي وقبل أن يستوزر! هذا أكرم له وأحفظ لماء وجهه بدلاً من الصلاة خلف “علي” والأكل من مائدة معاوية !

ومع القناعة بدرجة الاستفزاز العالية والإساءة البالغة التي تعرضت لها قوات الدعم السريع، فإن عليها اللجوء للقانون وتقييد دعوى جنائية في مواجهة الوزير المعني والمضي في الإجراءات دون أي انجرار لعضويتها وأفرادها نحو أي تصرفات طائشة أو أفعال غير قانونية في مواجهة “الجاني” طالما أن الجميع في ظل دولة قانون وترفرف فوق رؤوسهم شعارات السلام والحرية والعدالة .

ــ الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها .

الرقم 0912392489 مخصص لاستقبال رسائلكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى