خطوةٌ للأمام

بحضور الفريق سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان، تم التوقيع أمس في جوبا على اتفاق سياسي وأُردِف باتفاقية لوقف العدائيات مع الجبهة الثورية بعد مفاوضات طويلة ومضنية قادها من طرف الدولة الفريق أول محمد حمدان دقلو النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الذي يعد وفداً رفيعاً من المجلس السيادي ومسؤولين في الحكومة والدولة، ويُعتبَر هذا التوقيع بادِرة طيبة وخطوة جادة في طريق السلام، وهو طريق صعب وشاق، يحتاج إلى مواقف وقرارات شجاعة يجب أن تتحلّى بها كل الأطراف المنخرِطة في مسار السلام، وأن تكون الإرادة السياسية قوية وصادقة في صناعة السلام .

لقد ظلّت قضايا السلام وموضوعاته طيلة الفترة الماضية محل خلاف مُستمر بين الحكومة السابقة والجبهة الثورية، بسبب الخلاف حول تفاصيل ومُقتضيات التفاهُم والاتفاق السياسي، وحول الترتيبات الأمنية والعسكرية. ففي الجانب السياسي يؤكد الاتفاق على القضايا التي كان الخلاف حولها مُحتدماً، وهي في الأصل قضايا ستظل خلافية في تفاصيلها، لكن على وجه العموم لا توجد مندوحة من نقاشها في التفاوض والاعتراف بها مثل الهوية والمواطَنة وطبيعة نظام الحكم والعدالة ومسائل اللاجئين والنازحين وإزالة التهميش، ورفع المعاناة وجبر الضرر وإرجاع النازحين واللاجئين وقضايا الأرض والحواكير .

هذه القضايا التي تضمّنها الاتفاق السياسي، رغم أهميتها وضرورة حسمها تحتاج بالفعل إلى نقاش عملي وتوسيع الحوار الرأسي والأفقي حولها، وهي ليست حكراً على السياسيين فقط، وهناك أطراف وأصحاب مصلحة من الواجب أن يُستَصْحَبوا ويُشْرَكوا في هذه النقاشات حتى يكون ما يُتّفق عليه اتفاقاً نهائياً ومُقنعاً وسهل التطبيق وتُبنى عليه أسس الوئام الوطني الشامل وتتعايش الأمة السودانية بعده في سلام .

أما قضية الترتيبات الأمنية التي تمّ التمهيد لها باتفاق وقف العدائيات الذي وُقّع بالأمس، فهي القشة التي ظلت تقصِم ظهر بعير المفاوضات في الفترات السابقة، فما كانت تتمسك به الحركات المُتمرّدة وخاصة الحركة الشعبية قطاع الشمال بشقّيها خاصة اشتراطاتها في الإبقاء على جيوشها لفترة انتقالية طويلة تصل في أقصاها إلى عشرين عاماً وكيفية دمجها في القوات المسلحة التي يراد هيكلتها  وتخفيض قواتها وعملية وقف إطلاق النار من أجل إيصال المساعدات الإنسانية وفتح المَمَرّات ، لم يكن مقبولاً بصيغه التي طُرِحت من قبل، وإزاء ذلك، ظلّت المفاوضات تراوح مكانها، ولم يكن مأمولاً الوصول إلى سلام يُنهي حالة الحرب دون أن يحدُث تحوُّل مفاهيمي في النظرة لقضية السلام رغم اختلاف الناس حول هذه النظرة .

إذا كان توقيع الأمس سيفتح الباب للتقدم إلى الأمام لإبرام اتفاق نهائي، فإنه لا يعني أن الجدل حول قضايا الاتفاق السياسي والترتيبات الأمنية لن ينتهي في وجيز الوقت، فهي أمور حسّاسة وعميقة الأثر، وذات انعكاس هائل على التحوّلات الاجتماعية الجارية الآن، لكن ينبغي أن تتكثّف الجهود بوقف الحرب وإنهاء النزاع السياسي المُسلّح، وما تم أمس في جوبا لو لم تكن له نتيجة إلا وقف إطلاق النار ووقف العدائيات لكفى، فالحرب إذا توقّفت وانتهت، فإن بقية القضايا يمكن تجاوُزها والاتفاق عليها . 

ما يهُم هنا أن الاتفاقيْن اللذيْن وُقّعا أمس يُعبّران عن اتجاه حقيقي لإتمام عملية السلام وحرص وفد المجلس السيادي وبإرادة سياسية قوية لإغلاق ملف الحرب وفتح نوافذ السلام، فجهد وصبر وحِرص الفريق أول محمد حمدان دقلو أثمر في نهاية الأمر وبات السلام قريباً جداً في متناول اليد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى