الخبز والحرية!!

إذا لم تحقق أي حكومة استقراراً اقتصادياً ومناخاً ملائماً للعيش الكريم.. بتوفير ضروريات الأسر، فإنها لن تنال رضى الشعب حتى لو جعلت الناس أحراراً في كل شيء..

أمس عند السادسة صباحاً شهدت زحاماً أمام مخبز حديث بالقرب من سوق أبوشرا أكبر أسواق مدينة الأبيض، الرجال والنساء يتدافعون بالمناكب.. أطفال بملابس المدارس يصطفون كأنهم في طابور الصباح يمدون أعناقهم من أجل رغيفة واحدة قبل “حشوها” بطعمية وشطة..

بالقرب من قبة الشيخ إسماعيل الولي ذات المشهد والصورة القاتمة.. صفوف تمددت أمام فرن قمبور.. وهو واحد من المخابز التاريخية في المدينة التي حفرت أمطار هذا العام عميقاً في شوارعها.. أما في مدينة الدبيبات التي كساها الحزن وغطتها دموع الباكيات على حادثة مقتل 23 مواطناً في تصادم حافلة وبص سفري فهناك تباع اثنتا عشرة رغيفة بمبلغ (30) جنيهاً.. الدقيق المدعوم يتسرب من الخرطوم إلى دول الجوار وإلى مصانع الشعيرية والمكرونة.. والباسطة والبسبوسة.. تتضاعف ثروة أباطرة وامبراطورية الدقيق ويبقى المواطنون ينتظرون أمام منافذ المخابز ما تجود به بعض الضمائر الحية..

ما  كل أصحاب المخابز تجار جشعون يأكلون دقيق السحت في بطونهم مثلما يفعل كبار رجال الأعمال وملاك المطاحن والشركات.. وقد كشفت محاكمة الرئيس عمر البشير عن المثير جداً عن الظلم والمحاباة والدولة تشتري الدقيق من (4) شركات بسعر ومن شركة واحدة بسعر يزيد عن الأربعة بعشرة دولارات للطن الواحد ولا يسأل ديوان المراجع العام كيف حدث هذا وأين ذهبت العشرة دولارات المضافة للمحظيين برعاية النظام السابق لسنوات قبل أن ينقلبوا عليه وفي بطونهم مال الشعب المحروم من الخبز الحافي..

منذ أبريل الماضي وبلادنا تعيش في كنف الدعم السعودي الأماراتي السخي، ولا تدفع حكومة السودان جنيهاً واحداً أقصد دولاراً واحداً لاستيراد الدقيق أو الوقود ويأتيها الدعم من الأشقاء العرب مجاناً ولمدة عام ونصف.. ولكن الدقيق الذي يفترض أن يطعم أهل السودان يذهب خارج الحدود المفتوحة على دول تشاد واريتريا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وأثيوبيا..

حكومة الدكتور حمدوك إذا ما أحسنت توظيف العائد الشهري من بيع الدقيق والجازولين والبنزين وذهبت مليارات الجنيهات لدعم الموسم الزراعي الشتوي وضاعفت المساحات المزروعة بالقمح في الجزيرة والشمالية فإنها تستطيع توفير قوت شعبها بعد عام من الآن.. والدعم العربي الذي تدفق منذ سقوط النظام السابق لن يستمر طويلاً.. وقد أهدرت الحكومة السابقة أموال البترول في سنوات الرخاء في مشروعات تفاخرية.. وتطاولت الوزارات في البنيان وعندما نضب البترول وجدت الحكومة نفسها في (السهلة)..

الآن إذا أحسنت وزارة المالية توظيف الموارد الناجمة عن الدقيق والجازولين والبنزين، فإنها تستطيع أن تعيد تأهيل مشروع الجزيرة وتشييد طريق الصادرات الذي جرفته الأمطار بدلاً عن البكاء والنحيب على الماضي.. والفلاح والنجاح في الفصل والإعفاء والطرد من الخدمة وتعيين المحاسيب والأصهار والقرايب والحبايب..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى