مفاوضات جوبا!!

إ عقدت حكومة البشير السابقة ما يقارب (26) جولة تفاوض، مع الحركات المسلحة، في المنطقتين وفي دارفور.. واتخذت عدداً من العواصم العربية والأفريقية منبراً لهذه المفاوضات.. أبرزها (أديس أبابا) و(الدوحة).. وكل الجلسات (انهارت) بسبب الخلافات الرئيسية بين الأطراف وتباين وتناقض الرؤى والمواقف.

* ولم يحظ السودان خلال سنوات حكم العهد السابق الذي أطاحت به ثورة ديسمبر الماجدة، بأي نوع من أنواع الاستقرار.. بل كان إلى النقيض من ذلك، حيث انفصل الجنوب، وتفجرت قضية دارفور بحروبها ونزاعاتها، وأضحت المنطقتان منطلقاً لحرب كبيرة أهلكت الزرع والضرع.. وانتهت كل جلسات المفاوضات الـ (26) إلى مجرد وثائق وبحوث، لم تحظ بتوقيع أو سند دولي، وحتى تلك التي خرجت باتفاق، كان اتفاقاً جزئياً، جمع نقيضين سرعان ما ذهب كل منهما إلى حال سبيله.

* مفاوضات جوبا الحالية، هي الأولى في عهد الحكومة الجديدة، حكومة (المدنية) كما يحلو للثوار أن ينطقوها.. ولكن عين التأريخ تراقب وعداده لن يتوقف.. تجيء المفاوضات هذه المرة وكل أطرافها كما قال رئيس مجلس السيادة شركاء في تحديد الكيفية التي سيحكم بها السودان، ولا أظن أن هناك اختلافاً في هذه الطريقة، لأن جميع الأطراف ارتضت فترة ديمقراطية (حقيقية) ينال فيها الجميع حظوظهم بقدر تكليف من الشعب عبر صناديق الاقتراع.. ولكن حتى نصل لتلك المرحلة يجب أن نتوافق ونتراضى على الفترة الانتقالية التي هي بلا شك أساس الفترة الديمقراطية، ولكن يبدو أن هذا التوافق نفسه الآن محل شك وريبة.

* مفاوضات جوبا نريدها لكي تعالج جذور المشاكل والأزمات، لا نريدها (محاصصة) جديدة لكي تدخل حركات الكفاح المسلح – كما تسمي هي نفسها – تدخلهم إلى الحكومة في كل مستوياتها (السيادي والوزراء والتشريعي وحكومة الولايات).. ما لم يمسح أصحاب الرتب العسكرية والجنرالات فكرة المحاصصة والمشاركة من رؤوسهم لن نصل إلى حلول حقيقية لأزمات الحرب والسلام، وما لم تكن مشاركتهم في المفاوضات لأجل طرح مشكلات وقضايا أصحاب المصلحة، ستلحق هذه الجولة بسابقاتها من الجولات الفاشلة.

*ليست الأزمة في أن يكون منبر التفاوض هو مدينة جوبا، أو أي من العواصم الأخرى.. وليست الأزمة في وجود (تفويض دولي) لعاصمة جنوب السودان للعب هذا الدور، أو عدمه.. المشكلة في عقليات من يديرون المفاوضات، إذا غاب عن عقولهم أنهم سودانيون ومشاركون في التغيير بذات القدر الذي يملكه رصفاؤهم في الحكومة من هنا يقع (الخطأ)، ومن هذه النقطة تبدأ خطوات المحاصصة.

* لا نريد لحكومة حمدوك، وهي في بداية مشوارها أن يكتب عليها (فشل المفاوضات).. لأن هذا إذا حدث يضعها في موقع واحد مع الحكومة السابقة المندحرة، وهذا ما لا نريده لحكومة ارتضاها الشعب.. المطلوب من المفاوضين في كلا الجانبين أن يضعوا تطلعات الشعب وآماله نصب أعينهم، وأن لا تغريهم فتنة السلطة، فهي التي ضيعت من كان قبلكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى