Site icon صحيفة الصيحة

فاجعة المفقودين!

أقدار الله ماضيةٌ ونافذةٌ، ولا رَادّ لقضاء الله، الموتُ يأتي أحدنا في أيِّ مكانٍ وزمانٍ وحَالٍ وهيئةٍ وعُمْرٍ، وإذا حان الأجل فلا تقديم ولا تأخير، ومع ذلك يعيش الإنسان حياته كأنّه يعيش أبداً، يضحك ويفرح ويستمتع حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، قد يكون الواحدُ منا في وضع انتباه واستعداد، وقد يكون في حالة غفلة وضياع، وقد يكون بين هذا وذاك، والعبرة بصفاء القلوب وصدق النوايا وحُسن الظن بالله.

الذين يخرجون إلى أرض المعركة من أبنائنا وإخواننا وأحبابنا ويلقون ربهم شهداء، نفرحُ ونعتزُ ونفخرُ بهم مهما كانت موجة الحُزن الأولى، وقد نرتاح نفسياً لو “وسَّدناهم التراب” بأيدينا، مع أنّ مُعظم شهداء المعارك القتالية يُدفنون حيث اسْتُشهدوا، ولدينا أكثر من ثلاثين ألفاً من الشهداء الأخيار الأطهار طوت أجسادهم أدغال الجنوب دفاعاً عن قيمٍ عظيمةٍ وفدىً لوطنٍ غالٍ، تقبل الله أولئك الرجال وبلغهم منازل الشهداء وأورثهم الفردوس الأعلى.

مَن يستشهدُ ويتأكدُ استشهاده ويتم دفنه فإنّ ذويه يطمئنون ويرتاحون على نقيض المفقود، فالمعارك القتالية مثلما فيها شهداء وجرحى وأسرى، فإن فيها مفقودين لا يُعلم مصيرهم، هل اُستشهدوا ولم يُعثر على جثثهم؟ هل تشتّتوا من ميدان المعركة وهاموا على وجوههم إلى مصير مجهول؟ هل أُسِرُوا ولم يشأ العدو الإعلان عن أسرهم؟ والدا المفقود وذووه يُعانون نفسياً و”يمسخ عليهم طعم الدنيا” وهم يترقّبون كل صباحٍ ومساءٍ خبراً عن فقيدهم!

هي حالة قريبة من حالة أسرة فقدت أحد أبنائها في ظروفٍ طبيعيةٍ ولم تعثر عليه ولم تجد له أثراً، ربما غرق، ربما اُختُطف، ربما قُتل ودُفن، ربما سقط داخل بئر سايفون مُهملة، ربما ربما، ومهما يكن السبب فإنّ الأسرة تعيش حالة نفسية صعبة، وحتى في حالة التأكد من غرقه مثلاً فإنّ الأسرة لا ترتاح إلا حال العثور على جثمانه ودفنه، هكذا حال أيِّ أسرة يبتليها الله بفقدان أحد أبنائها في أيِّ أحوالٍ وظروفٍ، لذلك فإنّ قضية المفقود قضية إنسانية بحتة.

تعاطفنا بلا حُدود مع أيِّ أسرة فقدت ابناً لها في مناطق العمليات بمختلف الجبهات أو في أيِّ ظروف واضطرابات بما في ذلك الشباب الذين فُقدوا يوم فض الاعتصام ولم تجد أسرهم الكريمة معلومةً مُؤكّدةً عن مصيرهم إن كانوا أحياء أو مضوا إلى الله، هذه مسألة في غاية الحساسية والإنسانية وما ينبغي أبداً التعامُل معها غير ذلك، كل من لديه معلومة عن مصيرٍ مفقودٍ يتوجّب عليه شرعاً وقانوناً وأخلاقاً الإبلاغ عنها بأيِّ وسيلة. الذي مات أو قُتل لن يعود لكن على الأقل تتيقّن أسرته من مصيره علّ بعض جراحها تندمل.

لجنة التحقيق التي أُعلن عن تشكيلها، عليها العمل بكل جدية وتَجرُّد ونزاهة لسبر غور الحَقيقة وتَملكيها للمُواطنين بكل شفافيةٍ ووضوحٍ، ومن ارتكب جريمة أو شارك فيها فإن من كفارته وتوبته النصوح الكشف عن تفاصيل ما يعلمه عسى ضميره يرتاح، وطمعاً في أن يتوب الله عليه إنه هو التواب الرحيم.

ملف المفقودين، ملفٌ حسّاسٌ ومُختلفٌ جداً، ولو وضع كل منا نفسه مكان ذلك الأب والأخ وتلك الأم والزوجة والأخت فربما يَستشعر شيئاً من تلك الجراح النازفة داخل كل فردٍ من أُسر أولئك المكلومين المَفجوعين ولا يعلمون عن مصيرهم ابنهم شيئاً، نسأل الله الهداية والعفو والمغفرة والرحمة والرضوان.

الرقم 0912392489 مُخَصّصٌ للرسائل فقط

Exit mobile version