نهاية أسبوع متخمة بالأحداث والمواقِف والدموع

(ولات حين مندم)..

بدأ اليأسُ يدُب في نفوس كثير من الناس، وتسلّل الإحباط إلى القلوب، ويتوسّد الكثير من أنصار الحرية والتغيير الحرية، وهم يشاهدون التحديات الماثلة وعجز من قدموا للتصدي لها في الحكومة من مواجهة ومجابهة مضاعفاتها المتفاقِمة، وعدم القدرة على استنباط وتوليد الحلول، وهناك قطاعات بدأت تشهد تراجعاً مخيفاً في كيفية إدارتها خاصة قطاع الخدمات وقطاعات حيوية أخرى مثل قطاع الكهرباء الذي بشهادة الخبراء فيه، هناك ما يُنذر بكارثة قريبة قد تقع، بجانب أن الأداء المالي المتوقع سيكون طامة كبرى، بسبب غياب رؤية متكاملة وتفصيلية لدى الحكومة. ولم يقدم السيد وزير المالية في كل تصريحاته وأحاديثه خلال الأيام الماضية إلا الصورة الحقيقية الباعثة على القلق، بجانب أنه لم يطرح حلاً عبقرياً حتى اللحظة. فيما أطبق الصمت على وزارات القطاع الاقتصادي الأخرى، وفي ذات الوقت لا يوجد ما يبعث الأمل في الاتصالات الخارجية، وتضاؤل التفاؤل في الدعم الأجنبي أو الاستثمارات أو المساعدات والمنح والقروض حتى من أقرب الأقربين.

فما الحل يا ترى..؟ ما لم تفهمه قوى الحرية والتغيير غير أنها غرقت في توهّماتها وخدعت الشعب بشعارات كالسحاب الخلّب، ولم تتحلّ بواقِعية سياسية لا تنتفش فها الأحلام، قدمت صورة سيئة باضطرابها السياسي ولغتها العدائية وقلة الخبرة السياسية، وانعكس ذلك على الخارج الذي بدأت فيه أطراف دولية تنظر إلى السودان وكأنه بلد على حافة الهاوية، وقد لا يستقر قريباً، والغريب أن الوسط الدبلوماسي وخاصة الغربي منه الذي كان داعماً ومؤيداً للحرية والتغيير بات أكثر قناعة الآن أن هذا التحالف أنتج حكومة قليلة التجربة والخبرة، ولا تمتلك الكفاءة المطلوبة، وليس لديها برنامج محدّد وواضح وستحدث اختلالاً كبيراً لا يُمكن علاجه بسبب علو السياسي على حساب المهني، وارتهان القرار الحكومي للمجموعات المتحكّمة في قوى الحرية والتغيير، لذا لا يوجد حل إلا بالمراجعة الشاملة لقضية الكفاءات المهنية والاستقلال والحياد السياسي في اختيار الحكومة الانتقالية وخفض التوتر السياسي ولغة العداء التي بدأت بالفعل في صناعة استقطاب مضاد… 

الغباء هو الذي يجعل حفنة من الناشطين السياسيين والوزراء قليلي الحنكة والخبرة السياسية يراكمون الأعداء والأخطاء ..يرعدون ولا يمطرون.. يتحدثون ولا يفعلون .. دون هذه المراجعة.. ستحل الكارثة وستدخل البلاد في أزمات متداخلة ومتوالية ومتلاحقة.. ولات حين مندم يومها…

(السيادي في نيالا)..

 خطوة جيّدة من المجلس السيادي بعقد جلسة خاصة في مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور التي شهدت أحداثاً عاصفة الأيام الفائتة، وهو نهج محمود في متابعة الشؤون الولائية وما يهم المواطنين، النزول إلى المشكلات في مستواها الأدنى وتحسّس جوانبها على الأرض، ما يهمنا هو ما اتخذه المجلس من قرارات وتوجيهات نافذة في اجتماعه الخميس أول من امس بنيالا، وهل ستعالج الأزمة كما ينبغي وتنزع فتيل توتراتها أم تنتكس الأوضاع مرة أخرى ويعجز حينها الطبيب المداويا؟ 

ما يتعلق بتوفير السلع الضرورية واحتياجات المواطنين الأساسية، القضية جزء من كل، فأزمة الوقود والخبز والكهرباء والصحة والتعليم هي أزمة كل ولايات السودان، لابد من حلها في الإطار الكلي ووفق ترتيبات تمنع حدوثها مرة أخرى.

 أما الوضع الأمني وما حدث في بعض مناطق جنوب دارفور من أحداث نتج عنها سقوط قتلى من المواطنين فأسباب تلك الأحداث معروفة، ومرّت على كل مناطق دارفور، مثل هذه الحالات التي تحتاج إلى حسم فوري وفرض هيبة وسلطان الدولة، والمضي قدماً في التصالحات الأهلية وجمع السلاح وتطبيق القانون.. 

وهناك جوانب أخرى تحتاج إلى تدابير وإجراءات عاجلة يجب على المجلس السيادي النظر فيها بروية تقديراً للوضع الامني، فالصراع السياسي والتحيّزات الحزبية ستزيد من إشعال النار، ولا توجد جهة سياسية سواء كانت الحرية والتغيير أو غيرها قادرة على طرح حلول سياسية لمشكلات الولايات أو كيفية إدارتها، في ظل الطوارئ يجب أن تكون الأمور أكثر وضوحاً باستمرار الولاة المنتسبين للأجهزة النظامية كأطراف محايدة، وتمتلك القدرة على حسم التفلتات وليس لديها أي أغراض سياسية . 

 (جاك شيراك.. آخر العمالقة)..

لم تشهد فرنسا بل أوروبا قريباً رحيلاً أفجعها وحزناً لفّها كما هي حزينة على رحيل الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي توفي الخميس الماضي، وتشعر باريس أنها فقدت ذاتها، وكما قال رئيسها الحالي إيمانويل ماكرون والأسبق ساركوزي إن جزءاً من التاريخ الفرنسي قد رحل، فبعد ديغول لم تعرف فرنسا قائداً سياسياً شديد الشكيمة وفرنسياً قحاً مثل شيراك الذي خبر السياسة صبياً وخاض غمارها متدرجاً من أسفل الدرج إلى قمته، حيث كان نائباً برلمانياً وعمدة للعاصمة باريس ووزيراً في عدة وزارات منها الداخلية، لم يغب منذ ولوجه حلبة السياسة في ستينيات القرن الماضي عن الحياة السياسية حتى جلوسه الأخير عرّاباً عتيقاً حتى وافاه أجله المحتوم ..

للرجل مواقفه المشرفة مع إفريقيا التي عرفها وعرفته جيداً في المجال الحيوي الفرانكفوني بالدجاجات التي كانت تبيض ذهباً لفرنسا وبقية أفريقيا الانجلوفونية والعربفونية حيث كان صديقاً للجميع، مهدت له استقلاليته المفرطة وعدم اصطفافه في القطيع الأمريكي مكانة عالية لدى الأفريقيين، بينما حافظ على علاقة ناصعة مع العالم العربي في مواقفه في بعض الأحايين في ما يخص الصراع العربي الصهيوني، وفي الموقف الباهر من احتلال العراق في 2003م، هذا الرجل القريب من مواطنيه في ريفهم ومزارعهم ومصانعهم والأقرب للمزاج الفرنسي، كان آخر نسخة من جيل القادة الأوروبيين ذوي التأثير العالمي الطاغي، أعطى فرنسا وأوروبا كل ما استطاعه وحلم به، وعند رحيله ذرفت عليه فرنسا وأوروبا كل ما عندها من دمع وشجن لقارة عجوز كانت تحكم العالم ويتحكم في مصيرها اليوم السيد ترمب .   

(مؤمن ورجاء)

لم يعش الوسط الصحفي السوداني حزناً كما عاشه الأسبوع الماضي، لم يجف الدمع في المآقي ولا الدمع على تراب قبر المغفور له بإذن الله أخانا الأكبر الأستاذ مؤمن الغالي الذي رحلت روحه الرقيقة الأنيقة السمحة إلى بارئها، وودع دنيانا الفنية راضياً مرضياً بخلقه الجميل ووداده الحي، حتى فُجعنا برحيل زميلتنا الصحفية رجاء مجذوب إحدى نفحات الصحافة ونسماتها، إنسانة هادئة .. صبورة .. طموحة يملؤها اليقين وحب الناس، يد المنون أخذتها منا وهي في ريعان الشباب وفي زهرة أيامها وتجربتها الصحفية…

نسأل الله لمؤمن أن يقابل الله وهو مؤمن وبقلب ينبض بالإيمان، وأن يتقبل البارئ المصور المغفور لها أختنا رجاء التي ظلت في رجاء ودعاء دائم له، نسأله أن يكونا من ساكني جناته العلا تحفهما الرحمة والغفران وحسن المآب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى