السلام.. هل بات وشيكاً؟!

* كل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان، اندلعت في أوج حكمها نزاعات التمرد، بداية بتمرد الجنوب عندما كان جزءاً من السودان، وقد بدأت شرارته الأولى بتمرد توريت في 1955 .. وهذا يعني قيام التمرد مباشرة مع بزوغ فجر الحكومة الوطنية الأولى.. وهذا يؤكد إرادة المستعمر أن يظل السودان (رجل أفريقيا المريض) حتى بعد نيله استقلاله.

* ثم تزايدت رقعة الحركات المسلحة منذ أنانيا، وجيش الغوريلا، وبعض المسميات الأخرى وظهرت أسماء قادة التمرد الذين تباينوا من منطقة إلى أخرى ومن قبيلة إلى قبيلة، إلى أن وصلت الحركات المسلحة لمسمى جيش تحرير السودان، بقيادة د. جون قرنق الذي قاد حروب الثمانينات والتسعينات ضد حكومات المركز، ووجد سنداً ودعماً بالسلاح والمال من أطراف عديدة يهمها أن يكون السودان متخلفاً ومنهكاً ومريضاً.

* بعد ذلك انتقلت الحركات المسلحة من الأرض الجنوبية إلى أراض متاخمة لها، لتزيد من ضغط (الصداع) على حكومة المركز، فجاء ميلاد الحركات في جنوب كردفان والنيل الأزرق مستمداً أبوته من الحركة الأم في جنوب السودان التي كانت حاضنة ومستودع للآخرين، ووفرت لهم معسكرات التدريب داخلياً وخارجياً، ومنحت التمرد العتاد والمال والسلاح، وهندست فكرته القائمة على أن السودان الشمالي لا زال مهيمناً على قوى الهامش، ولا والٍ يفرض رؤيته وأجندته عليها بقوة جيش الدولة المنظم ومنهجها المعلن.

* ثم كان تناسل الحركات المسلحة والمتمردة في أشده خلال حكم البشير في الثلاثين عاماً الممتدة منذ 1989 وحتى بداية العام 2019 الذي شهد ميلاد الثورة السودانية.. بالقطع امتدت رقعة النزاعات المسلحة لتشمل ولايات دارفور وبعض الولايات الحدودية.. وزاد من حدة الصراع نهج حكومة البشير التي ظلت تصيخ السمع فقط لمن يملك القوة، فنمت الحركات المسلحة وتضخمت، ووجد بعضها شراكة مؤقتة مع حكومة البشير وساد مبدأ أن السلطة والثروة لمن يملك القوة.

* بعد سقوط البشير بهذه الطريقة الدراماتيكية الثورية الهادرة، لابد أن كل الأسس السابقة للحكم طالتها يد التغيير الثوري، الأمر الذي يبشر بميلاد فجر جديد خاصة في جانب الحركات المسلحة، لأن السودان دخل مرحلة جديدة من تأريخه مشمولة بالعدالة والحرية وبسط دولة المواطنة.. بهذه الأسس الجديدة كان لزاماً على الحركات المسلحة أن تمارس حقها في المشاركة، مثلها مثل بقية السودانيين في القوى الأخرى.

* فكانت بداية الاتصال بالحركات التي دشنها الفريق أول محمد حمدان حميدتي، بصفته السابقة كنائب لرئيس المجلس العسكري الانتقالي.. وواصل فيها بصفته الحالية في المجلس السيادي، طاف خلالها عدداً من العواصم الأفريقية، والتقى قيادات الحركات المسلحة في كل من جوبا وانجمينا وأديس أبابا.. وأفلحت هذه الجهود بلقاء جوبا الأخير مع مكونات الجبهة الثورية.

* نجح حميدتي بدرجة كبيرة في وضع اللبنات الأولى للسلام.. هذه السلعة الغالية التي ظل يبحث عنها السودان منذ فجر الاستقلال.. ومعلوم أن غياب السلام هو (المرض) الذي أقعد السودان وأنهك قواه لعشرات السنين.. كلنا أمل في أن ينجح المجلس السيادي الممسك بملف السلام في مهامه (العسيرة والشائكة) بفضل قدرات قادته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى