النيل الأزرق وتقرير المصير.. الخوف من تكرار سيناريو (الجنوب)

دعت إليه (الشعبية) ورفضته (الثورية)

خبير عسكري: مفاوضات السلام القادمة ستمنح حق تقرير المصير

(الثورية): سنعمل بكل قوة لعدم تكرار تجربة الجنوب 

خبير استراتيجي: (الشعبية) استغلت ضعف الانتقالية وطرحت أفكارها 

الجاكومي : أي دعوة لحق تقرير المصير مرفوضة تماماً

الخرطوم: النذير دفع الله 

ربما بدأت الآن تتشكل السيناريوهات التي تتحدث عن تقسيم الدولة السودانية، وما كانت تهمس به اجتماعات المعارضة والحركات المسلحة والمتعصبين سياسياً، بات الآن في السطح كفكرة قابلة للنقاش، والأخذ والعطاء سيما وأن مصطلح (تقريرالمصير) كان أحد المصطلحات الممنوعة والمرفوضة، ولكن ما صرحت به  الحركة الشعبية شمال في المطالبة بحق تقرير المصير مر دون أن يقف عنده البعض كثيراً، وكأن اتفاقاً مسبقاً قد تم بمنح هذا الحق، ولكنها دعوة قالت بها الجبهة الثورية أنها ستواجهها بكل ما أوتيت من قوة لأن الشعب السوداني قرر مصيره منذ العام 95 وأن تجربة جنوب السودان لن تتكرر مهما حدث .

السودان الجديد

الفريق أول والخبير العسكري محمد بشير سليمان، قال لـ(الصيحة)، إن حق تقرير المصير كان يمكن له أن يتم في مرحلة واحدة منذ انفصال الجنوب، لأن الحركة الشعبية منذ مخرجات القضايا المصيرية في أسمرا في العام 1995م، والتي كان علي رأسها دكتور جون قرنق وكل الأحزاب التي تمثل الآن قوى إعلان الحرية والتغيير وهي ذات الأحزاب التي أمنت على حق تقرير المصير لجنوب السودان، حيث كانت  كانت جبال النوبة والنيل الأزرق ضمن منفستو الحركة الشعبية لحكم السودان في إطار الحكم السياسي والحكم الذاتي.

 وأضاف سليمان أن  الحركة الشعبية، في جبال النوبة والنيل الأزرق ستظل تقاتل إلى أن نتال تقرير مصيرها  كما الجنوب أو الحكم الذاتي، سيما وأن قادة الحركة الشعبية شمال جلهم أبناء قرنق يحملون ذات الأفكار وينتهجون ذات الطريق ويسعون لتغيير جديد لحكم السودان.

قضايا مصيرية

 وأوضح سليمان أن  الإنقاذ بعد مجيئها أصبح  موضوع القضايا المصيرية في أسمرا 1995 قيد التنفيذ،  إلى أن جاءت اتفاقية السلام التي منحت حق تقدير المصير أو الوحدة الجاذبة التي لم  يسع طرفا الاتفاق من الشمال والجنوب لتحقيقها والعمل عليها، وكان الصراع حول السلطة فقط، وأصبحت الدولة السودانية بين تياري الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ولم يعرف عند من كانت إدارة الدولة، وأخيرا انتبه المؤتمر الوطني أن الانفصال واقع فبدأ يسعى للوحدة متأخراً، فكانت محاولاته عبارة عن (علوق شدة)، مؤكداً أن قطاع الحركة الشعبية شمال لم يتخل  عن الحركة الأم، وبدأ يعمل لذات الخطط والمهام، إلى أن أعدت وثيقة العقد السياسي في العام 2012 بين مالك عقار وياسر عرمان والنور حمد ومحمد إبراهيم خليل ومصطفى شريف ومجموعة أخرى تحت اسم (نحو عقد سياسي اجتماعي ثقافي جديد)، وهو ما كان يكرس للحكم الذاتي في إطار سودان جديد، وأشار سليمان إلى أن احزاب قوى إعلان الحرية والتغيير جزء من إدارة خارجية للسودان الجديد، حيث تمت مناقشة وثيقة العام 2012م  في عدد من المدن العالمية منها (هلسنكي وباريس وكيب تاون ودار السلام وجامعة هارفارد)، هي اجتماعات عصف ذهني مع أصدقاء السودان بالخارج. 

نقاط وملامح

وكشف سليمان أن الوثيقة المتفق عليها هي ذات النقاط والملامح التي انبثقت منها الوثيقة الدستورية الحالية للفترة الانتقالية، وأضاف سليمان: لماذا ركزت الوثيقة على بناء استراتيجية وعلاقات ذات خصوصية بين دولتي شمال وجنوب السودان، ولماذا ظلت الحركة الشعبية مهادنة بعد الثورة بل الخطاب الذي ألقاه الأصم مؤخراً عند توقيع الوثيقة تناول في جزئية منه ضرورة بحث الوحدة مع جنوب السودان، وأشار سليمان إلى مجموعة من القراءات التي تعزز أن هنالك عملاً يتم بصورة منسقة ومرتبة، وإلا لماذا تحدث الحلو عن الحكم الذاتي أثناء  محادثات السلام بجوبا ولماذا حمدوك في جوبا الآن بل إن تعيينات (قحت) للسيادي ومجلس الوزراء هي إحدى الدلائل وما شابهها كثير مما يدل أن مشروع جون قرنق العلماني للسودان الجديد بدأ الآن، سيما وأن الحركة الشعبية لم يكن لها وجود إبان الثورة بل كانت تعمل في هدوء تام من أجل السعي لنيل حكم ذاتي وأن حق تقرير المصير الذي بدأ يظهر على السطح للمنطقتين جبال النوبة والنيل الأزرق هو ما تحققه وتسعى له مفاوضات السلام القادمة، لأن المكونات المدنية في المجلس السيادي جميعها ذات خلفية يسارية أو حركة شعبية. وأكد سليمان أن الحركات المسلحة استغلت ضعف الحكومة الانتقالية الحالية، وحاولت فرض أجندتها، فضلاً عن أن الانتقالية تبحث عن عملية السلام بأي ثمن، وهنا يكمن السر الذي دعا الشعبية لأن تنادي بتقرير مصير المنطقتين. 

المشورة الشعبية 

ليست هي المرة الأولى التي ترسل فيها الحركة الشعبية لقطاع الشمال رسائل مبطنة حول المطالبة بتقرير المصير، وما جاءت به اتفاقية السلام 2005 أغفل المنطقتين جبال النوبة والنيل الأزرق لهذا التوقيت حتى تكون نقطة خلاف جديدة وهو ما يسمى في منفستو الحركة الشعبية الخطة(ب)، ولكن مشروع المشورة الشعبية الذي كان مطروحاً من أجل تحديد مستقبل المنطقتين هو الأقرب للمناداة بالحكم الذاتي.

 أستاذ السياسات الخارجية بالمركز الدبلوماسي، وعضو المشورة الشعبية سابقا دكتور عبد الرحمن أبوخريس قال (للصيحة)، إن المشورة الشعبية التي كانت مطروحة في اتفاقية السلام 2005 كانت ستحل الإشكالية بصورة حاسمة، ولكن طرفي الاتفاق غير موجودين حالياً وهو ما يدعو لضرورة الاستفادة من هذه التجرية .

حكومة ضعيفة

وأضاف  أبوخريس: يجب ألا يتم تمكين المشورة الشعبية في اتجاه تقرير المصير، وعلى الحكومة الانتقالية الاستفادة من هذه التجربة، مشددًا على أنه ليس من مهام الحكومة الانتقالية الحالية أن تتحدث في هذا الأمر، لأنه ليس من اختصاصاتها مطلقاً كما نصت الوثيقة الدستورية، وقال أبوخريس إن الحكومة في المركز ضعيفة جداً، وهو ما اكتشفته الحركة الشعبية، وبدأت في استغلالها ورفعت سقف مطالبها، كما أن الحرية والتغيير يجب ألا تتحدث بأي صورة من الصور عن تقرير المصير، سيما أن الحرية والتغيير قامت ببعض المحصصات وأقصت الحركات المسلحة من التمثيل ونقض الاتفاق الذي تم بينهما في أديس أبابا .

دعوة مرفوضة

الناطق الرسمي للجبهة الثورية بالداخل محمد سيد أحمد الجاكومي، أكد (للصيحة) أن منفستو الجبهة الثورية لا توجد فيه أي جزئية تتحدث عن تقرير المصير، مضيفاً أن ما يثار عن حديث مالك عقار حول حق تقرير المصير غير صحيح وعار من الصحة تماماً، وأوضح  الجاكومي أن الجبهة الثورية أحرص على وحدة السودان ولا مساومة في هذا الأمر، فضلًا عن أن الجبهة الثورية لم ولن تتحدث عن حق تقرير المصير لأن الشعب السوداني حدد مصيره منذ العام 1959م، وشدد الجاكومي: لن نكرر تجربة انفصال الجنوب مرة أخرى، مشيراً إلى أن عبد العزيز الحلو قبل انشقاق الحركة الشعبية في كل من “منفوستاتها” لم تتحدث عن حق تقرير المصير وتكفينا تجربة جنوب السودان، كما أن دعوة أي طرف من الأطراف لحق تقرير المصير مرفوضة تماماً، وسنعمل بكل قوة من أجل عدم التفكير في هذا الأمر.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى