الجبل الأصفر .. لماذا تتخلى مصر عن جزء من أراضيها؟

بئر طويل لا تقع ضمن حدود السودان.. وسكانها من العبابدة المصريين

هل إثارة موضوع المنطقة  له علاقة بصفقة القرن؟

ما هو سر اختفاء حساب “تويتر” لوزير الخارجية المزعوم “محمد باحارث”

خبراء دوليون يؤكدون وقوف قوى دولية وراء تحريك قضية المنطقة 

تحقيق: رانيا الأمين

خلال الشهر الجاري تداولت وسائل التواصل الاجتماعى مقطع فيديو ظهرت خلاله سيدة لبنانية من أصول سعودية تحمل الجنسية الأمريكية تدعى “نادرة ناصف “، تحدثت عن أنها رئيسة وزراء ما سُمّي “بمملكة الجبل الأصفر ” وهي منطقة تقع بين السودان ومصر، وأوضحت أن المملكة المزعومة تهدف إلى تجميع المهاجرين المسلمين والعرب واللاجئين والذين ليست لديهم جنسية وتوطينهم وتوفير حياة كريمة لهم، ولكن بدأت المشكلة حينما اشتعلت وسائل الإعلام المصرية في وصف المنطقة بأنها تقع داخل الحدود السودانية وتخضع لسيادة السودان. المركز السوداني للخدمات الصحفية سعى لكشف الجوانب الخفية عن الموضوع من خلال هذا التحقيق.

أعلن عن قيام المملكة المزعومة في قمة أوديسا التي عقدت في أوكرانيا مؤخراً، وتقع مملكة الجبل الأًصفر في المنطقة الواقعة بين السودان ومصر وتقدر مساحتها بنحو 2060 كيلو متر مربع.

الشروط الحصول على الجنسية

المعلومات المتداولة تتحدث عن أن الحصول على جنسية مملكة الجبل الأصفر يقتصر فقط على الأشخاص المتضررين من الحروب والمشاكل السياسية مثل اللاجئين من الدول التي عانت من الحروب، وكذلك التي تعاني من المجاعات والكوارث الطبيعية التي تتسبب في الهجرة والبحث عن ملاذ آمن للاستقرار واستمرارية الحياة. ومن المتوقع أن يتم البدء في الحصول على الجنسيات بحلول نهاية العام 2020.

سابقة تاريخية

تحدثت وسائل الإعلام المصرية عن أن عدم قيام السلطات السودانية والمصرية بالرد على هذه المملكة المزعومة يعني ضمنيا الموافقة عليها، وقال  الخبير المصري أيمن سلامة “إنه ربما حاول السودان استغلال تلك السابقة الخطيرة والمتمثلة في اجتزاء جزء صغير من أقاليم الدول ذات السيادة من حفنة من الأشخاص، وذلك لمبادلة هذا الجزء بالمثلث المصري حلايب وشلاتين وأبو رماد، في سابقة تاريخية غير معهودة”.

أصل الحكاية

ويوضح د. معاذ أحمد محمد تنقو المتخصص في دراسات الحدود بين السودان ومصر أن هذه المملكة المزعومة تقع في منطقة بئر الطويل المجاورة للسودان، لكنها ليست ضمن حدود السودان، وليس للسودان أي يد خفية في تأسيسها، مشيراً إلى أنها بدأت بدعوى رجل أمريكي حاول تحقيق أمنية ابنته لجعلها أميرة وبحث عن جزيرة ودُل على هذه المنطقة التي هي ضمن تصفية الاستعمار تقع ضمن حدود مصر التي استقلت في1922م وهي منطقة تسكنها قبيلة العبابدة المصرية ويوجد منها في السودان لكن أغلب القبيلة تم ضمها إلى مصر وأصبحوا مصريين.

ويضيف تنقو أن هذه المنطقة لا تقع ضمن حدود السودان رغم ادعاءات الكتاب والدبلوماسيين المصريين، وأكد أن مصر تخلت عن هذه المنطقة بأمل أن تضم منطقة حلايب إليها، مشيراً إلى أن هذا الضم غير قانوني، وأضاف أن مصر حرة في تخليها عن أي جزء من أراضيها غير أنها ليس لها الحق في ضم أراضي الغير دون إرادتهم.

وحول ارتباط المملكة المزعومة بصفقة القرن، يقول تنقو إن هذا احتمال كبير ووارد، لأنه لم يعلن عن ملك المملكة إلى هذا اليوم، ويؤكد تنقو أن قيام هذه المملكة لا يضر السودان، فهو يستطيع أن يدافع عن أرضه رغم الزوبعة الكثيرة، قائلاً: إن السودان له طرق كثيرة جداً في الحفاظ على حدودته بصورة قانونية ولا خشية من ذلك، مضيفاً لا يوجد في السودان من يتنازل عن شبر من أرضه.

معضلة قانونية

ويوضح خبير القانون الدولي  د. محمد المفتي أن مملكة الجبل الأصفر معضلة قانونية قصد منها  استغلال الوضع الانتقالي في السودان، ويقول إنه على الرغم من عدم وجود معلومات كافية،  فإننا نرجح أن تكون المنطقة المعنية، هي المنطقة التي جعلها خط الحدود الذي رسمه الحكم الثنائي البريطاني المصري، الذي كان يستعمر السودان،  ضمن الحدود المصرية، لأنه يقطنها جزء من قبيلة العبابدة المصرية، كما أنه جعل منطقة حلايب ضمن الحدود السودانية، لأنه يقطنها جزء من قبلية البشاريين السودانية.

 ويقول المفتي إن مصر تدعي أن منطقة  الجبل الأصفر سودانية، ولا تريد الاعتراف بها لأنها تعني ضمنياً الاعتراف بسودانية حلايب حسب تعرجات الخريطة في الخط الإدارى. ويشير إلى أن هنالك قوى دولية لها يد في تحريك هذا الأمر قائلاً بأن على الحكومة السودانية  رفض مملكة الجبل الأصفر المزعومة وتوضيح الحقائق التاريخية المذكورة أعلاه، وذلك في رسالة إلى مجلس الأمن إلحاقا برسالة السودان السابقة لمجلس الأمن حول حلايب، وذلك بأعجل ما تيسر، على اعتبار أن أعلان مملكة الجبل الأصفر  يهدد الأمن والسلم العالمي .

مخطط ثلاثي

غير أن الخبير السوداني والمهتم بأمر الحدود  أحمد علي عبد القادر أوضح أن أصل الحكاية بدأت بعدد من الأحداث المتعلقة بالسودان بداية بزيارة الشيخة موزة إلى السودان  ومن بعدها الرئيس التركي رجب أردغان مما أثار غضب بعض الدول، وأضاف أن الأمر اكتسب جدية بعد ان أرسل إبراهيم غندور إبان توليه لوزارة الخاريجية السودانية وقتها خطاباً اعترض فيه لدى مجلس الأمن الدولي على اتفاقية المياه بين مصر والسعودية والتي ضمت مثلث حلايب وشلاتين إلى مصر دون الرجوع أو مشاورة  السودان، ما دفع هذه الدول إلى التحالف ضد السودان ومن ثم ظهر شخص يدعى محمد باحارث يروج لهذه المملكة المزعومة، وكانت اسمها في البداية منطقة بئر طويل، وكتب عبر صفحته في وسائل التواصل الاجتماعى ” تويتر ” بأنه وزير خارجية بير لاند “، وتم تغيير الاسم من بير طويل إلى مملكة الجبل الأصفر، وأضاف عبد القادر أن هذا التغيير يحمل عدداً من الاستفهامات، مشيراً إلى اختفاء محمد باحارث من التويتر لإزالة الشبهة.

ويمضي عبد القادر بأنه حال الرجوع إلى قضية “البدون” التي تمت إثارتها إبان حقبة البشير ومشاورته في إمكانية منح الجنسية السودانية، غير أن الأمر ازداد صعوبة – والحديث لعبد القادر – حينما أعلن الشعب السوداني رفضه لتجنيس البدون، وهو الأمر الذي دفعهم حسب حديثه للتمهيد لتوطين البدون في هذه الدويلة مع جزء من الفلسطيينين لتهجيرهم. 

ويقول عبد القادر إن الأمر الثالث هو محاولة إثبات أن هذه المنطقة داخل الحدود السودانية وللإعلام المصري في هذا الشأن اجتهادات كثيرة حيث حاول عدد من الإعلاميين المصريين محاولة إثبات ذلك عبر استضافتهم لبعض الخبراء الذين يؤيدون رأيهم في ذلك، وهذا في محاولة للاحتيال على مثلث حلايب ومحاولة زراعة مصر لدولة والادعاء بأنها داخل حدود السودان لأنه حال طالب السودان بحلايب ترد القاهرة بأن هنالك دولة كاملة داخل حدود السودان ولم يتم الاعتراض عليها، وبالتالي لا يوجد ما يبرر المطالبة بحلايب.

وأنهى عبد القادر حديثه بثلاث نقاط وهي أنه على المغردين السودانيين أن يدعموا الفكرة الرافضة لسودانية المنطقة حتى يضعوا الإعلام المصري في زاوية ضيقة، وكذلك يفترض على الإعلام السوداني الرد على الإعلام المصري، وكذلك على الدولة ممثلة في وزارة الخارجية رفع دعوى قضائية ضد قناة (mbc) مصر وضيفها سلامة الذي ادعى أن المنطقة سودانية دون تدعيم الأمر بخرائط.

أرض تائهة

أما المحلل السياسي يونس محمود فقد ذكر بأن المملكة المزعومة قصتها أقرب للخيال ووصفعها بغير الواقعية وقال بأن المنطقة بين السودان ومصر فبطبيعة الحال  إما أن تكون سودانية أو مصرية أو متنازع عليها مثلها مثل حلايب وشلاتين، ومن غير المنطقى أن تكون أرضاً “تائهة”، وقال محمود إنه على الرغم من أن مصر لم تعلق رسمياً على الموضوع فإنه أشبه بالدراما، خاصة وأن على أرض الواقع لا توجد أي إشارات لأي تواجد سكاني.  وتساءل حال أغلقت السودان حدودها الجوية والبرية وكذلك مصر أين تذهب هذه الدولة؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى