خطوة بعدها خطوات ..

تمّ  أمس التوقيع على وثيقة إعلان مبادئ بين المجلس السيادي والجبهة الثورية في جوبا عاصمة جنوب السودان، وسط حضور سياسي  كبير شرّفه رئيس دولة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت، ونجح وفد المجلس السيادي بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو وعدد من أعضاء المجلس، في إتمام مشاورات ومباحثات مُهمّة مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزير الحلو والجبهة الثورية بكل أطرافها، وجاء في إعلان المبادئ التأكيد على الرغبة المشتركة في إحلال السلام وإنهاء الحرب ووقفها، والاتفاق على بدء التفاوض في أكتوبر المقبل في جوبا للتوقيع على اتفاق سلام نهائي يطوي صفحات النزاع المُسلّح في البلاد .

هذه الخطوة تُعَدّ تطوُّراً مُهّماً، يجب أن يحرص الجميع على الاهتمام بها، فخيار السلام هو الخيار الوحيد أمامنا جميعاً، فالمُهم أن تتم الخطوات المُتبقّية على ذات الوضوح والحرص مع توفُّر الإرادة السياسية القادرة على تجاوز كل العقبات التي تعترض عملية السلام. وهناك قضايا حقيقية لابد من التوصّل إلى حلول مُرضِية حولها، تتعلق بوضع المناطق المتأثرة بالحرب وتنميتها ومشاركتها السياسية وتمثيلها في صناعة القرار وتمكينها من تحقيق تطلّعات مواطنيها وتعويضها ما فاتها من الخدمات والمشروعات التنموية، وإنهاء ظاهرة الحيف والظُّلم التاريخي الذي مارسته النخب السياسية منذ الاستقلال، وتأذى منه مواطنو المناطق الأقل حظاً من التعليم والمشاركة في الحكم ونصيباً من التنمية ..

وهناك مسائل أخرى تتعلق بالترتيبات العسكرية والأمنية، لا يوجد خلاف كبير حول أهميتها وضروراتها، ولا توجد مشكلة كبيرة في الكيفيات التي تتم بها، فللسودان تجارب عديدة منذ اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢، مروراً بما تم في اتفاقية نيفاشا والاتفاقيات التي تمت مع حركات دارفور خلال العهد السابق، فكلها وفّرت خبرة سودانية جيدة في استيعاب ودمج وتسريح قوات الحركات التي تحمل السلاح، وما يتبع ذلك من إجراءات ذات طبيعة فنية وإدارية متكاملة، تمتلك الدولة السودانية أهلية رفيعة لتنفيذها .

بجانب ذلك هناك مسائل تتعلق بالإجرائيات كبناء الثقة مثل وقف إطلاق النار الدائم وفتح ممرات إيصال المساعدات الإنسانية، وغيرها من مطلوبات العملية السلمية، وقد وقفت مثل هذه النقاط الإجرائية أمام تقدّم جولات التفاوض السابقة بين حكومات العهد السابق وتعطّل مشروع السلام مراراً بسبب عدم الاتفاق عليها، ولم تكن البيئة الإقليمية والدولية مؤاتية لإبرام اتفاق سلام في تلك الأوقات، وانتهت كل تلك الجولات بلا شيء، غير وقف إطلاق النار الذي ظلّ يتجدّد كل مرة .

الطريق ممهد الآن، وتُوقِن الحركة الشعبية شمال والحركات الأخرى، أنها  ستحصل على نصيب ترضى به من السلطة في العهد الجديد، كما ستجد نفسها متوافِقة ربما سياسياً وفكرياً مع المرحلة الراهنة، وستُراهن على بناء صورتها السياسية الجديدة إذا وقعت اتفاقية سلام، لخوض غمار العمل السياسي ودخول الانتخابات المقبلة بعد أن ملّت وسئمت هي كحركات من الحرب والاقتتال .

بين أيدينا مشروع سلام قادم يتطلّب وعياً كبيراً بأهميته، فثقة الحركات في المجلس السيادي الآن أكبر من أي وقت مضى، ووجود ضامن كبير يتولى الوساطة مثل الرئيس سلفاكير وهو في ذات الوقت رئيس الحركة الشعبية التي ينتمي إليها عبد العزيز الحلو ومالك عقار وعرمان، وحليف لحركات دارفور المسلحة وبعض تنظيمات الشرق، كل هذه العوامل تجعل السلام يطرق الأبواب وبات في متناول الأيدي ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى