دقلو رئيساً لتحالف تأسيس: انهيار مركزية القرار السياسي، وامتلاك قوى الريف لزمام المبادرة

دقلو رئيساً لتحالف تأسيس: انهيار مركزية القرار السياسي، وامتلاك قوى الريف لزمام المبادرة
د. حذيفة ابو نوبة
في مشهد سياسي غير مسبوق في تاريخ السودان، انعقد المؤتمر الصحفي لتحالف السودان التأسيسي بمدينة نيالا، كعلامة فارقة في مسار إعادة تأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة، لم يكن الحدث مجرد إعلان سياسي عابر، بل مثّل نقطة تحول حاسمة في خريطة القوى الفاعلة في الفضاء السياسي، بعد إجازة النظام الأساسي، وتشكيل الهيئة القيادية للتحالف.
تُوجت جهود التحالف، بالتوافق على القائد محمد حمدان دقلو رئيساً للهيئة القيادية، والقائد عبدالعزيز آدم الحلو نائباً لرئيس الهيئة القيادية، لم يكن هذا الاختيار، مجرد إجراء تنظيمي عادي، بل يمثل إعلان تاريخي بموت وانهيار مركزية القرار السياسي، وأن زمام المبادرة والقيادة لم يعد حكراً على صفوة الخرطوم والقوى المدنية، بل تم إنتزاعه كحق أصيل لقوى الريف، الفاعلة في والمؤمنة بقضايا الهامش.
وضع تحالف تأسيس بهذا الإعلان التاريخي، أقدامه في قلب معادلة الصراع والتحول، ليس كقوة معارضة أو تكتل احتجاجي، بل كتحالف استراتيجي واعي بالدور الذي يجب أن يلعبه، من أجل تأسيس دولة جديدة مدنية، فيدرالية، علمانية موحدة، منحازة للعدالة والمواطنة المتساوية، تضع حداً لسيطرة المركز التاريخية على القرار السياسي، في سابقة سياسية نادرة وُلد هذا التحالف من رحم الواقع، وبتعبير صادق عن طموحات أصحاب المصلحة الحقيقيين، لا النخب المعزولة، ولا الصفوة التي امتهنت تمثيل الآخرين دون تفويض ولا شرعية.
إن اختيار محمد حمدان دقلو رئيساً للتحالف، يعكس تحولاً جذرياً عميقاً في الممارسة السياسية، ويؤشر إلى انتقال الرجل من موقع الفعل العسكري، إلى موقع القيادة السياسية القائمة على الشرعية والتفويض الشعبي. لقد كان دقلو جزءً من لحظة التحول الكبرى في السودان حين انحاز للثورة، وتصدى بقوة لانقلاب الدولة العميقة، ثم حمل على عاتقه عبء مواجهة القوى التي اختطفت القرار السياسي وتسببت في تفجير الحرب الراهنة، هذا الاختيار لم يأتِ صدفة او نتيجة استحقاق عائلي كما ظل يحدث في السودان القديم، بل جاء استناداً إلى رصيد نضالي صادق، وتجربة عسكرية ميدانية ملهمة في المقاومة، واجهت آلة القمع المركزية، واستطاعت لأول مرة، حصار وهزيمة إمتياز احتكار السلطة وتمثيل الدولة.
إن ميثاق تحالف السودان التأسيسي، لم يكن وثيقة صامتة، بل هو بيان تأسيسي لمشروع مختلف، يهدف إلى تفكيك الدولة القديمة لا ترقيعها، وبناء عقد اجتماعي جديد، لا يستنسخ الفشل ولا يُعيد إنتاج الامتياز، وثيقة تعترف بالتعدد كقيمة إضافية، لا كمشكلة، تضع الفيدرالية والعلمانية والمساواة كمبادئ مؤسسة، لا كأجندات مؤجلة، وهو بذلك يعيد تعريف السياسة، ويخلخل مفاهيم القيادة والتمثيل، ويمنح السودانيين لأول مرة مساحة واقعية، للعيش في دولة عادلة، لا تدور في فلك الخرطوم ولا تخضع لصفقات النخب.
ما تم اعلانه في هذا المؤتمر، أكثر من هيكلة تنظيمية داخل كيان سياسي ناشئ ، إنه إعلان عن لحظة وعي جديدة، تخرج فيها الممارسة السياسية من أضابير الغرف المغلفة في المركز المسيطر، وتدخل إلى عمق السودان الحقيقي، حيث الناس يعرفون معنى الظلم، ويدفعون ثمنه، ويصرون على كسر حلقته، وهذا ما يجعل تحالف تأسيس بقيادته المعلنة، لا يمثل فقط توازناً سياسياً مهماً ومطلوباً، بل بداية تكوين كتلة تاريخية، تسعى لتأسيس مشروع وطني بديل، لا يقبل التنازلات الفوقية، ولا يساوم على قضايا التأسيس العادلة.
إن هذه القيادة التي وُلدت من رحم معاناة السودانيين، لا تُعبر عن استحواذ جهة، بل عن بداية تقاسم حقيقي وعادل للسلطة والمسؤولية، لأول مرة يجد السودانيون صوتاً سياسياً لا يعيد تدوير المأساة، بل يحمل مشروعاً ورؤية واضحة، لبناء الدولة، ولم يكن إعلان القيادة هذه المرة إجراء نخبوي بل إعلان شعب، وقرار واقعي، صنعته الضرورة التاريخية، التي تحتم علينا السير بصدق، نحو الغايات العظمى، التي تواضعنا عليها، وقاتلنا لأجلها، التي تنتهي إلى بناء وطن محترم، يليق بتضحيات السودانيين.