الكاهن ومصر.. يمين الطلاق الأخير

الكاهن ومصر.. يمين الطلاق الأخير
حاتم الياس
يبدو أن مصر قد قنعت، ظاهراً وباطناً، من البرهان وجماعة بورتسودان، وأدركت أن الرجل “جاري بيهم هواء”، خصوصاً بعد زيارة رئيس المخابرات الإثيوبي لبورتسودان، وهي زيارة يبدو أنها تمت بوساطة إسرائيلية بين إثيوبيا والسودان، في محاولة لإيجاد أرضية تفاهم بين آبي أحمد والبرهان حول عدد من الملفات.
من المعروف أن زيارة رئيس مخابرات لدولة أجنبية، وهو أمر نادر في العلاقات الدولية، تعني شيئاً واحداً فقط: أن الغرض منها هو ملفات أمنية حساسة.
والسياسة المصرية، بطبيعتها، لا تبدي قلقاً تجاه علاقات سودانية إثيوبية، حتى لو نُقل سد النهضة نفسه إلى مدينة وادي حلفا. لكن قلقها الحقيقي يتمثل في علاقات البرهان بإسرائيل، فهي الخطر الأكبر على الأمن القومي المصري. وتشير معلومات إلى أن الإمارات قد زودت مصر بملفات توضح طبيعة هذه العلاقات والتحركات.
لقد أدركت مصر أن لا أمل في تفكيك الشراكة بين الإسلاميين والجيش، إذ أصبح واضحاً أن “كلاهما كيانان في تنظيم واحد”، على حدّ المثل الشعبي. ومشكلة مصر ليست مع الإسلاميين كجماعة، بل في عقلية “السمسرة” التي يتبنونها في إدارة العلاقات الخارجية، منذ لحظة تسليم كارلوس للمخابرات الفرنسية، ومحاولات تسليم بن لادن، الذي فر بجلده لجبال أفغانستان، مروراً بتسليم معارضين مصريين لنظام السيسي لاحقاً.
إن السياسة الخارجية للدولة السودانية، الواقعة تحت هيمنة الحركة الإسلامية، تكشف عن غياب تام لأي ثوابت استراتيجية في التعامل مع الدول، مصر أو غيرها، وإنما كل تحركاتها تتم لصالح منطق الصفقات والمساومات الآنية – أي ما يمكن وصفه بـ”دبلوماسية السمسرة”.
ومع ما وصل إلى أجهزة المخابرات المصرية من معلومات، خاصة تلك القادمة من الإمارات، تيقنت مصر أن من الأفضل الانخراط في تحالف إقليمي جديد، يُزيح عقبة الإخوان ممثلين في البرهان وحلفائه، ويضمن لمصر الحفاظ على عمقها الاستراتيجي ودورها التاريخي، بتمثيل وتأثير أكبر في مستقبل السودان.
وهنا، ربما – وأقول ربما، لا معلومة – بدأت مصر في فتح قنوات اتصال فعلية مع قيادة قوات الدعم السريع لترتيب تفاهمات حول سيناريوهات مستقبلية محتملة.
من المهم الإشارة إلى أن هنالك تقارباً إقليمياً ودولياً كبيراً حول تشخيص الأزمة السودانية، توصل إلى نتيجة واضحة: أن العقبة الأساسية أمام السلام والاستقرار تكمن في بورتسودان، بشخوصها ومشروعها، أي البرهان وحلفاؤه.
وما هو قادم قد يشهد تحولات جذرية في المشهد السوداني، إقليمياً وداخلياً، على ضوء هذه القناعات المتزايدة.
حاتم الياس
محامٍ
جامعة القاضي عياض – كلية الحقوق
قسم القانون العام – تخصص علاقات دولية