لزوجة منطق استمرار الحرب وتجاهل الكارثة الصحية فى بلاد السودان:
انهم سيحكمون المقابر والجثث

لزوجة منطق استمرار الحرب و تجاهل الكارثة الصحية فى بلاد السودان: انهم سيحكمون المقابر والجثث
بكري الجاك
دون الخوض في جدلية أيهما أولا البيضة أم الدجاجة، يبدو أن حراس خطاب وحجج استمرار الحرب انحدروا إلى مستوى سحيق في ذبح المنطق بكافة مقوماته من منطق صوري وخلافها، وفي هذا الدرك وصلوا إلى إقامة الحجة على نفي وقتل الوجود لإثبات العدم، وهذا منطق دائري لزج من شاكلة الإجابة على من أنشأ الدعم السريع دون حتى مجرد رد الاعتبار إلى الحقيقة بالإجابة على سؤال لماذا اختار من أنشأ الدعم السريع (أي كان وإن كانت الحقيقة هي المؤتمر الوطني و الإسلاميين و نظام الانقاذ) اللجوء اليه وله مؤسسات دولة من بينها شيء اسمه القوات المسلحة، ثم يقول و بكل احتفاء بالجهل و بوقاحة لا يحسد عليها أنه يجب أن نحارب من صنعناه بايدينا خارج مؤسسات الدولة للدفاع عن الدولة. هذا دون حتى الاشارة للخلل البنيوي فى بنية هذه الدولة بتاتا.
ثم يمضي الكائن منهم ليقول وبكل ببجاحة متعالية أن الحرب يجب أن تتواصل وبأي كلفة كانت لاسترداد مؤسسات الدولة.
وإذا سألت استردادها من من؟
سوف لن تسمع إجابة غير سرد طويل من الإنشاء الذي لا بيان فيه ولا سحر. ثم يمضي ليقول أنه في حروب الكرامة ليس من المهم حجم الكلفة (من دمار و خراب وانقسام و قتل وسحل وكوليرا) وليس مهم عامل الزمن.
إذا سألت لماذا ليس هناك للزمن قيمة والناس تموت؟
فحينها سيفخّمون أصواتهم ويشددون على مخارج حروفهم ويعتدلون في جلساتهم لابداء مظهر يبدي تماسك المنطق وسلامة الحجة وقوة الشكيمة ليخطبوا فيك خطبة مفخخة قوامها أن هذه قضايا وجود والحرب حرب وجود.
وإذا تجرأت وسألت وجود لمن إذا كان الناس قد قضوا نحبا وماتوا ولم يبقى منهم شيء، فسيقولون الدولة بكل بلاهة المنتشي أنه قد قال قوله ستٌنحت في التاريخ كمقولة وحقيقة خالدة و ثابتة.
وإذا تجرأت وسألت وما هي الدولة؟
سوف لن تسمع أن تعريف الدولة الكلاسيكي هو الأرض (الإقليم المحدد) والسكان و السيادة. وسوف لن تسمع إجابة من شاكلة أن التعريف الوظيفي للدولة قوامه ثلاث عناصر تتعلق بقدرة الدولة في 1) احتكار العنف ومنع استخدامه بواسطة أي جهات واستخدامه بواسطة الدولة وفق إطار دستوري وقانوني، 2) إنفاذ التعاقد بين المواطنين والمتعاقدين وفق العقد الاجتماعي (الدستور و القوانين) السائد، 3) تنظيم المجتمع باستخدام السياسات العامة وهذا مجال سياسات التعليم والصحة و البيئة وغيرها. و لكن ستسمع إجابة من شاكلة أن الدولة هي الكائن الخفي الأكثر أهمية من حياة الناس.
أما إذا رفعت جرعة الجرأة وسألت ما فائدة الدعوة لاستمرار الحرب للدفاع عن الدولة واسترداد مؤسساتها إذا كان من المحتمل أن يحدث ذلك ولم يعد هنالك إقليم محدد ولا سكان ( إذ تقتلهم الكوليرا والحرب وتبعات الحرب) ولا سيادة، والدولة أن وجدت فهي لا تحتكر العنف ولا تستطيع أن تنفذ أي تعاقد حتى بين من يدعون أنهم يحاربون للدفاع عن مؤسساتها ولا تستطيع أن تنظم المجتمع و تقدم أي من الخدمات الأساسية؟ و لكم في موت الناس في كل ثانية بالكوليرا أو باسلحة الحرب خير مثال.
يجيبونك أنهم لا يمانعون في وجود دولة بلا سكان و سيسعدون بحكم الجثث والمقابر بكامل البهاء السيادي وفي اقليم غير محدد بلا احتكار للعنف ولا قانون ولا أي دور للدولة.
خلاصة الخلاصة وزيت الزيت أنهم سيحكمون المقابر للدفاع عن سيادة الدولة بعد أن ينتصروا في الحرب عسكرياً و كأنما النصر غير متاح بوسائل أخرى، أوليس النصر في جوهر قيمته أن يعلي مصلحة الشعوب السودانية وليس قتلها لحكم أرض ليس بها سوى الجثث و الخراب.
ألم أقل أنه منطق دائري ولزج و سمج ولا حجة فيه سوي استرخاص حياة الناس؟
فلنفعل كل ما نستطيع لانقاذ الناس من وباء الكوليرا، فإن إعلاء قيمة حياة الناس هو انتصار للكرامة وليس قتلهم.