المجد لـ(المسيّرات)
علي أحمد
لن تكون بورتسودان آخر المدن السودانية التي ستكتوي بنار الحرب، ولن تكون آخر المدن التي تُراق فيها دماء أهلها فوق تراب هذا الوطن الجريح. فلن تنزف بعد اليوم دماء أهل نيالا، والضعين، والجنينة، والفاشر وحدها. فإمّا أن يحيا الجميع على تراب الوطن، أو أن يموت الكل تحته؛ وإمّا عدالة في الحياة، أو عدالة في المسيَّرات. والوطن الذي لا يؤمن بعدالة توزيع الأمن والاستقرار، فإنه يختار طوعًا عدالة المسيَّرات، والشعوب التي لا تتوحد على الحق، إنما تختار السيف، ومن يفضّل حدّ السيف، مات به، والذي لا يُفضّ باللسان تُفضّه الأسنان.
وها هي المسيَّرات تنطلق اليوم، كما ستنطلق كل يوم، لتدكّ حصون الكيزان في كل مدينة وقرية يختبئ خلفها (أخو مسلم مجرم) – كوز-؛ فلا عاصم من المُسيَّرات بعد اليوم، ولا مأمن، ولا حصن منيع. فإمّا أن يشمل الأمان الجميع، أو فلن ينعم به أحد. تلك هي معادلة الصراع التي فرضها إخوان الشيطان والبرهان، حين أشعلوا الحرب رافعين شعار: (إما نحن، أو لا سودان). فلينعموا بما اختاروا، وقد اختار أحرار السودان سودانًا بلا إخوان أو كيزان.
وإن كان بعضهم يتألّمون اليوم في بورتسودان، فإنّ أهل نيالا والضعين قد تألّموا من قبلهم طويلًا، وقد آن أوان تحقيق العدالة في كل شيء. وإذا كان شعار الإخوان في الحرب: (يا خيل الله اركبي)، فإنّ لله جنودًا من (المسيّرات). ولكل واقعٍ أجل، ولكل أجلٍ كتاب.
لقد كانت ضربات المسيّرات في بورتسودان رسالةً واضحة مفادها أن زمن الحصون الآمنة للجلادين الإسلاميين وعسكرهم قد ولّى. فالمدينة التي اتخذها البرهان عاصمةً مؤقتة له، ومعقلاً لحلفائه الإسلاميين، والتي كان يتنطّع متصوِّرًا إيّاها قلعةً حصينة، قد تلاشت، وإذا بها سرابٌ بقيعة، ولم تعد سوى كومةٍ من الرماد. فقد شهدت بورتسودان، في أقل من يومين، موجتين من القصف دمّرت خلالهما القاعدة الجوية العسكرية (قلعة الحرس الثوري الإيراني)، وأُحرقت طائرة شحن إيرانية، وأُصيب اثنان من العسكريين الإيرانيين إصاباتٍ بالغة. ولم تكتفِ المسيرة المباركة بإسكات محركات طائرة الشحن الإيرانية، بل أفزعت المدينة بأسرها، وأطلقت موجة نزوحٍ كبيرة، وانهيارًا في حياة الناس – لقد دمّر البرهان استقرار الجميع. وأمّا التكتم الرسمي عن إصابات العسكريين الإيرانيين، فلن يغيّر من الواقع شيئًا، فالمدينة أضحت مكشوفة، ومن احتمى بها ظنًّا أنه في حصن، فقد أساء التقدير.
وليعلم الجميع: أن عبد الفتاح البرهان، الذي كلما زار مصر جاءنا وقد اختلط هرمون “تستوستيرونه” بـ”كورتيزوله”، والذي خرج علينا مُهدّدًا عقب عودته الأسبوع الماضي منها، هاتفًا: (المجد للبندقية ) – ولا أعلم بماذا يحقنونه هناك! – يُعدّ هو المسؤول الأول عمّا يحدث اليوم، وما سيتبعه من مسؤوليات جسام في قادم الأيام. فهو من رفض – ولا يزال يرفض – السلام، وهو من استجلب السلاح من تركيا وإيران وروسيا والجزائر، وهو من يغترف من المال الإخواني المتدفق بين (الخليج) وتركيا، وكل ذلك ليواصل حربًا لا أمل فيها، فقط ليُعيد (الكيزان) إلى السلطة، متوهّمًا “الحسم العسكري” متسلحاً بمسيرات إيران وتركيا، بلا رجال أو رجولة، متناسيًا أن سلاح اليوم لا يُحتكر، فالسوق مشرَع الأبواب دائمًا، والذين أثبتوا أنهم يملكون الإرادة والبسالة على الأرض، يمكنهم أيضًا امتلاك قوة الجو. و(الدعم السريع) اليوم ليس بضعفٍ ولا بفقر، بل يملك ما يكفي لخوض حرب طويلة، كما يملك ما يكفي لإيصال الدمار إلى قلب الشمال.
ونهتف اليوم، كما هتف هو بالأمس، ونقول: ( المجد للمسيّرات .. المجد للدرونز)، فإمّا أن يذعن البرهان، ويأتي صاغرًا دون إسلاميّيه إلى طاولة المفاوضات لتتوقّف الحرب، فيسلم الجميع، وتُحقن دماء أهل دارفور، أو فلتذُق كل مدينة وكل قرية في السودان ما ذاقته تلك المدن والقرى المنسيّة. فالوطن واحد، والدم السوداني واحد، ونقولها مرةً أخرى، قولًا واحدًا: لن نقبل أن يُحكم هذا الشعب مرةً أخرى بجلّاديه. فباطن الأرض خيرٌ من ظاهرها إن عاد الإخوان المسلمون إلى الحكم.
وأنا شخصيًّا أقف بقلمي ورأيي، كما قلبي وعقلي – في معركة الحرب لا السياسة – في صفّ قوات الدعم السريع، لأنهم يخوضون معركتي ويحاربون حربي، ويموتون كلّ يوم في سبيل شيءٍ أحترمه وأقدّره. هذا، إضافةً إلى أنني دائمًا أختار موقفي في أيّ أمر بالنظر إلى موقف (إخوان) الشياطين، فعكسه دائمًا هو الموقف الصحيح. وسأظلّ دومًا أقف في ذلك الصف، “ما دام الصفّ الآخر يسجد من ثقل الأوزار”.
المجد لـ(المسيّرات).