العلاقات السودانية الإماراتية قوية وراسخة

العلاقات السودانية الإماراتية قوية وراسخة
مزمل رابح
تُعد العلاقات السودانية الإماراتية من أكثر العلاقات الثنائية رسوخاً في منطقة الشرق الأوسط، إذ تجمع بين البلدين روابط تاريخية واقتصادية وثقافية، تعززها المصالح المشتركة والتقارب في الرؤى الإقليمية. وقد شهدت هذه العلاقات تطوراً ملحوظاً منذ مطلع الألفية الجديدة، وبرزت بشكل خاص في الأزمات التي واجهها السودان، لاسيما خلال فترة الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً محورياً في تقديم العون الإغاثي والإنساني للشعب السوداني.
تمتد العلاقات بين السودان والإمارات لعقود، وقد تميزت خلال السنوات الأخيرة بانخراط أبوظبي في عدد من المشاريع الاقتصادية والتنموية داخل السودان، لاسيما في مجالات الزراعة والطاقة والبنية التحتية. كما لعبت الإمارات دوراً في دعم الانتقال السياسي في السودان بعد سقوط نظام البشير في 2019، ضمن تنسيق إقليمي ضم أيضاً المملكة العربية السعودية.
ورغم تعقيدات المشهد السياسي السوداني، سعت الإمارات إلى الحفاظ على قنوات التواصل مع مختلف الأطراف السودانية، مما منحها موقعاً مؤثراً في المعادلة الإقليمية ذات الصلة بالسودان. ومع اندلاع الحرب، تحوّل التركيز الإماراتي نحو الجهد الإنساني، بالنظر إلى تدهور الوضع الإنساني والمعيشي في معظم ولايات السودان.
مع تفاقم الأزمة الإنسانية جراء القتال العنيف في الخرطوم وولايات دارفور وكردفان، سارعت الإمارات إلى إطلاق مبادرات إغاثية عاجلة تحت إشراف الهلال الأحمر الإماراتي، وبالتنسيق مع منظمات أممية كبرنامج الغذاء العالمي ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA). وقد شملت هذه المبادرات:
- إقامة جسر جوي إنساني: نظّمت الإمارات أكثر من 50 رحلة جوية لنقل مساعدات إنسانية من الأغذية والأدوية والمستلزمات الطبية إلى ولايات سودانية متأثرة بالنزاع، إضافة إلى مساعدات نُقلت إلى الدول المجاورة كتشاد وجنوب السودان لتقديم الدعم للاجئين السودانيين.
- إرسال فرق طبية ميدانية: أنشأت الإمارات مستشفيات ميدانية في المناطق الحدودية التي يتواجد بها اللاجئون، فضلاً عن دعم مراكز صحية داخل السودان عند توفر الظروف الأمنية المناسبة، وهو ما ساهم في تقديم الرعاية للآلاف من المتأثرين.
- برامج الغذاء والمواد غير الغذائية (NFI): تم توزيع سلال غذائية ومواد إيواء كالأغطية والخيام وأدوات الطهي في مناطق النزوح الداخلي، لاسيما في ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وشرق السودان.
- الدعم المستمر للنازحين: لم تقتصر المساعدات على المرحلة الأولى من الأزمة، بل واصلت الإمارات دعمها عبر خطط استجابة إنسانية مستمرة، وبمشاركة منظمات إنسانية إماراتية ودولية، في محاولة لتخفيف الضغط على المجتمعات المستضيفة.
يعكس الدور الإماراتي في السودان خلال فترة الحرب نهجاً سياسياً قائماً على القوة الفاضلة والعمل الإنساني، وهو جزء من استراتيجية أبوظبي لتعزيز نفوذها الإقليمي المستحق من خلال الاستجابة السريعة للكوارث والنزاعات. غير أن هذا الدور لم يكن بمنأى عن الانتقادات، إذ أثارت جماعة الهوس الديني شكوك غير موضوعية حول طبيعة العلاقة الإماراتية مع طرفي النزاع، ومدى تأثير هذه العلاقة على الحياد الإنساني وهي اكاذيب تسعى من خلالها هذه الجماعات الى تضليل الرأي العام الذي الذي يطوق عنقه فضل الإمارات.
لا ينكر الدور الإيجابي الخلاق للمساعدات الإماراتية في تخفيف المعاناة عن شريحة واسعة من المتضررين إلا مكابر ومغرض، خصوصاً في ظل ضعف الاستجابة الدولية وتراجع التمويل الإنساني للسودان. كما أن الإمارات باتت تمثل خط دفاع أول ضد الانهيار الإنساني الشامل في السودان.
ختاما تمثل العلاقات السودانية الإماراتية نموذجاً لترابط المصالح السياسية والاقتصادية والإنسانية، وقد أظهرت الحرب الجارية مدى أهمية هذا الرابط في دعم الشعب السوداني في أحلك الظروف. وبينما يتطلب الوضع السوداني حلاً سياسياً شاملاً ومستداماً، فإن الدور الإغاثي الإماراتي يظل ركيزة أساسية في الحد من تداعيات الأزمة، ويُتوقع أن يتعاظم مستقبلاً مع اتساع نطاق الكارثة الإنسانية، ما لم تُبذل جهود دولية أوسع لإنهاء النزاع.