حل الجيش.. الواجب الوطني الذي تأخر كثيراً

حل الجيش.. الواجب الوطني الذي تأخر كثيراً
رشا عوض
ما نراه بأم أعيننا هو أن المؤسسة العسكرية معول هدم الدولة السودانية وأداة تفكيكها وتعذيب شعبها وأكبر ثغرة للتدخلات الخارجية الخبيثة، فهي أهم وكر للعمالة والخيانة الوطنية وسرقة الموارد الاقتصادية.
هذه هي الحقيقة التي سنرددها إلى أن نهلك دونها، وحتما سوف يأتي رجالها ونساؤها ذات يوم!
ولكن الآلة الاعلامية الفاجرة في البجاحة والمتخصصة في الكذب، والمثابرة على التضليل وتزييف الوعي نجحت في صناعة ببغاوات يرددون عبارات لزجة ومقرفة لا تصمد أمام أي نقاش عقلاني ومنطقي قوامه الأدلة والبراهين، عبارات على شاكلة القوات المسلحة صمام أمان البلد!!! وانهيار الجيش يعني انهيار الدولة!!! والحفاظ على مؤسسة الدولة يستوجب الوقوف خلف الجيش! في حين أن الجيش نفسه ليس واقفاً حتى نقف خلفه! بل هو في حالة هروب متواتر من ساحات المعارك!! وفي حالة اعتماد على مليشيات الكيزان والحركات المسلحة، وفي صباح كل يوم تتكاثر المليشيات من رحم جديدة إسمها حرب الكرامة!
المدينة الوحيدة التي صمدت طويلاً في وجه الدعم السريع هي الفاشر ولكنها صمدت لأن المعركة تصدت لها قوات مناوي وجبريل التي حشدت قواتها على أساس قبلي، وتفننت الأجهزة الأمنية في التحريض الاثني على القتال وتحويله إلى معركة وجود بين الزغاوة والعرب، الأمر الذي ينذر بمجازر جماعية على أساس اثني.
والمؤشرات تشير إلى أن الفاشر في طريقها للسقوط في يد الدعم السريع في خاتمة المطاف، خصوصاً بعد خروج خلافات مناوي مع سلطة بورتسودان إلى العلن بسبب الثلاثمائة مليون دولار التي كان يجب أن تصرف للحركات المسلحة المشاركة في حرب الكرامة ولم تصرف لها حتى الآن.
خلاصة حديثي، هذا الجيش السوداني ليس وطنياً وليس مهنياً، ولو كان لدولتنا هذه أباء مؤسسين حقيقيين لكان أول قرار تتخذه حكومة الاستقلال في الأول من يناير ١٩٥٦م هو حل هذا الجيش المصمم على حراسة سلطة المستعمر وقمع الشعب، والشروع في بناء جيش السودان المستقل بمواصفات منسجمة مع توجه دولة وطنية مستقلة، تماماً كما فعل نيريري مع جيش تنزانيا غداة الاستقلال.
لكن للأسف نحن دولة يتيمة لذلك ظلت مقموعة تحت بوت هذا الجيش منذ استقلالها حتى الآن.
أقول قولي هذا وأنا متأكدة من أن حل الجيش السوداني الآن ليس ممكناً، لأن هناك إرادة دولية واقليمية لن تسمح بذلك وهي راغبة مع سبق الإصرار والترصد في الاحتفاظ بخيال المآتة هذا لمآرب تخصها، ولكن مهما يكن من أمر، لا أجد منطقاً في استدامة سيطرة الأوهام حول هذا الجيش على أدمغة السودانيين.
هذا الجيش يجب النظر إليه كمؤسسة مأزومة وكأهم جذر من جذور الأزمة الوطنية منذ الاستقلال، وبالتالي فإن شرط استمراره هو انفتاحه على مشروع لإعادة الهيكلة لإعادة تأهيله فنياً واخلاقياً، فهذه الحرب لا تصلح مطلقاً كرافعة سياسية للجيش تكريساً لوصايته على الدولة السودانية وتبعاً لذلك وصاية الحركة الإسلامية اسماً الإجرامية فعلاً التي اشعلت هذه الحرب تحت تخدير حلم استعادة السلطة المطلقة على السودان بواسطة هذا الجيش الذي تحول طيلة عهد الاسلامويين إلى مجرد ” حصان طروادة” الذي يختبئ داخله الكيزان لإضفاء الطابع الوطني على مشروعهم الحزبي البغيض، وذلك استناداً إلى الاساطير الوطنية المنسوجة حول الجيش دون وجه حق.