قبل أن تقع الفأس!……….

حتى لا تأخذنا الأحكام الجزافية المتعسّفة، علينا أن نُقر أن كثيراً من ترشيحات حكومة السيد حمدوك ستكون مُخيّبة للآمال، ولن تُحقّق شيئاً وسيكون الخاسِر الأكبّر فيها هو نفسه رئيس الوزراء إن لم يُحسن اختيار طاقمه، وعليه ألا يرضخ كثيراً لآراء وضغوط السياسيين من قوى إعلان الحرية والتغيير، الذين تنكّروا لجماهيرهم ولعهدهم وميثاقهم، باستحواذهم على المواقع التي كان ينبغي وحسب الاتفاق السياسي أن تذهب إلى كفاءات وطنية مستقلة ..

فالظاهر أنهم طعّموا الترشيحات ببعض الوجوه من ذوي الخبرات، ثم بدعاوى لا تقف على ساقين أدخلوا مجموعة من الكوادِر السياسية التي لم نعرفها إلا في أيام التظاهُرات والاعتصام، وجُلهم يفتقدون أدنى درجات الخبرة والدِّربة في مجال العمل التنفيذي، وليس لديهم إلمام من أي نوع بطريقة إدارة الوزارات وتعقيدات الخدمة المدنية، فلو كانت الظروف طبيعية ومُتيسّرة فلا ضير ولا مانع، أن يتعلّموا الحلاقة على رؤوس الشعب السوداني، لكن الظرف استثنائي من الدرجة الأولى، وهناك تحديات ضخمة وعسيرة جاثمة على صدورنا، وتوجد حالة من الاستقطاب السياسي والمناطِقي والجهوي لم يسبق لها مثيل، ونفور في الوجدان الوطني يُباعد بين السودانيين بشكل لم يعهدوه من قبل، فضلاً عن أن حكومة الفترة الانتقالية ذات مهام محددة أجلّها هو وضع اللبنات السليمة والصحيحة لتحوّل ديمقراطي حقيقي، وتأسيس قواعد بناء دولة حديثة ذات نظام سياسي مُتّفق عليه مع ضمانات استدامته واستقراره ..

فهل الوجوه التي قدّموها للسيد حمدوك ومارسوا عليه ضغوطاً ليقبلها يمكن أن تؤدي هذه المهمة، هل مجموعات من الشباب عديمي الخبرة، فقط ظهروا كناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي ووجدوا فرصتهم أيام الحراك الشعبي، وهي لحظات يغيب فيها التقييم الحقيقي ويعلو كعب النزعات العاطفية، وجَيَشان الشعور الانفعالي العام، فالسياسي إن كان ناشطاً يمكن أن يكون ناجِحاً في مجال العمل السياسي الذي لا تضبطه معايير دقيقة وصارمة فقط علو الصوت وضخامة الحلقوم والظهور أمام وسائل الإعلام أو ارتقاء منصة افتراضية في “السوشيال ميديا”، هذا النوع من الوجوه لا علاقة لها البتة بإدارة شؤون الحُكم والدولة ومخاطبة القضايا المُلحّة المُعقّدة وإعادة ترميم ما تصدّع من البناء الوطني ..

سيجد السيد حمدوك بعد فترة قصيرة جداً، أن حكومته مُعتلّة، ولا يمكنه معالجة اختلالها وعلاج اعتلالها، وأنه أضاع فرصة ثمينة في اختيار أفضل الكفاءات السودانية وأكثرها معرفة،  وأوسعها عقلاً، وأعمقها فكراً، وأنبلها مقصداً، وأصدقها حياداً، وأوفرها فرصة في تضميد جراح الوطن، وأنه لم يُوفّق في كثير من الوجوه التي أُعطيت إليه من حلفائه وأصحاب (العطلة) السياسية والمستوزِرين الجدُد، وعندها لا ينفع الندم، فلا تزال الفرصة أمام رئيس الوزراء مواتية قبل أن تقع الفأس في الرأس، عليه أن يُعمِل مبضعه في الحكومة التي بين يديه، فما أضاع حكم النظام السابق إلا عندما لجأ إلى المجاملات والمُحاصصات السياسية والقِبلية والجهوية، وأسند الوزارات إلى قليلي الخبرة وعديمي التجربة فضاعوا وأضاعوه وأذهبوا ريحه وتكسّرت أعلامه وأهالوا عليه التراب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى