Site icon صحيفة الصيحة

جدلية الهامش والمركز .. تحديات على طاولة “الانتقالي “

الخرطوم: نجدة بشارة 

ظلت المعارضة  المسلحة بالسودان  تثير جدلأ وتخوض نضالها ضد ما أسمته بقضايا “التَّهْمِيش ” و”الإقصاء الجغرافي”، حتى أصبح ثقافة سائدة عند معظم القاطنين في الأطراف بدعوى (تهميشهم من قبل المركز)، وهذا ما خلق فجوة وجفاء على مدى عقود طويلة، وبات  المفهوم تتمحور حوله معظم الصراعات.

 بيد أن المركز دأب على التصدي بقوله إن (الشعب السوداني كله مُهمَّش), وبالتالي يجب عدم ربط المفهوم بمناطق جغرافية أو بمجموعات إثنية بعينها.

ونجد أن بعض الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان كرست ” للمركزية المطلقة” لا سيما النظام السابق الذي ربما تعمد تجاهل الحيز الجغرافي للأطراف، حتى  أصبحت قضية التهميش واحدة من المعضلات التي أدت نتيجتها إلى انفصال جنوب السودان، وتهديد أقاليم أخرى في الشرق والغرب، وخلقت بالتالي مسافات متباعدة، بعضها مفتعل، بسبب الانتماء السياسي.

ماهو الهامش؟

عرَّف خبراء  “التَّهمِيش” بأنه: (عملية الاستبعاد أو الإقصاء الممنهج  من المشاركة الفعَّالة في السلطة)، ولربما ارتبط عند البعض بمفهوم (التمييز ضد بعض الأفراد أو الجماعات في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، مما يُؤثر في وضع هؤلاء الأفراد والجماعات داخل هيكل القوة المجتمعية ودائرة الفعل السياسي ويوقف عملية النمو والتطور للمناطق التي تضم هذه الفئات، وذلك ربما لأسباب سياسية تعود إلى عدم انتماء أو تأييد هذه المجموعات للحزب الحاكم، ويرى بعض المراقبين أن هذا التحليل ربما لا ينطبق على ما يحدث في السودان إذا نظرنا إلى ما يعانيه مواطنو شمال السودان وهي المناطق التي ينحدر منها معظم قيادات حكومة الإنقاذ السابقة، من فقر وضعف في النمو والبنى التحتية مقارنة ببعض مناطق غرب السودان التي خرجت عدداً مقدراً من المعارضة المسلحة التي تصدت للحكومة السابقة بسبب التهميش، خلافاً لمنطقة جنوب السودان التي فضلت الانفصال لتضع حداً للتهميش.

 إذن  السؤال الذي يطرح نفسه ما هي المناطق “المهمشة” ؟وكيف نعرفها؟ ومن الذي تنطبق عليه صفة قوى الهامش؟ وهل هنالك صفوة تمركزت بالمركز وتغولت على حقوق الهامش..؟  

خلفية تاريخية 

مصطلح “المناطق المهمشة” بدا تداوله في  السياسة السودانية منذ بيان الحركة الشعبية “المانفستو”  الصادر بتاريخ31/7/1983م، حيث حددت المناطق المهمشة بأنها كل السودان ما عدا وسطه “ مديرية الخرطوم ومديرية النيل الأزرق” حيث توجد العاصمة ومشروع الجزيرة, كما حمّل البيان الاستعمار البريطاني مسئولية تهميش تلك المناطق، ثم حمل المسئولية من بعد الاستعمار لما أطلق عليه “أنظمة شُلل الأقلية” في الوسط بداية من العام 1956م.

 في بحث للكاتب تاج السر عثمان نشر سابقاً ذكر أن  مصطلح المركز والهامش مضلل، لأنه في مركز العالم الرأسمالي نفسه وعلى مستوى كل دولة يوجد استقطاب طبقي حاد مثال: في أمريكا 1% من السكان يستحوذون على 40% من الثروة،  وأغلبية مهمشة من عاملين بأجر يتعرضون للاستغلال الرأسمالي وتستحوذ الطبقات الرأسمالية أو الشركات المتعددة الجنسيات على فائض القيمة منهم, إضافة للمهمشين من العطالة والمهمشين من الأقليات والنساء، وفي دول الهامش أو الدول المتخلفة هناك استقطاب طبقي حاد, حيث تستحوذ أقلية على الثروة والسلطة وتعيش الأغلبية في فقر مدقع “ على سبيل المثال في السودان 5% يستحوذون على 88% من الثروة”، كما أن الحديث عن مناطق مهمشة في السودان مضلل أيضاً إذ نجد في المناطق المهمشة فئات لها مصالح مع القوى الحاكمة في المركز  تتكون من  بعض الزعامات القبلية والإدارة الأهلية وأصحاب المشاريع وملاك الثروة الحيوانية, بينما الأغلبية في المناطق المهمشة تعيش في فقر مدقع. 

هواجس وظنون 

قال محلل سياسي ــ فضل حجب اسمه ــ بأن شريكي الحكومة التي بصدد تشكيلها، ربما تقع في فخ التجربة السابقة وتعيد عن غير قصد واحدة من مآسي السودان المرتبطة بالانخراط في هموم العاصمة وسكانها، غاضة الطرف عن الولايات الطرفية بصورة أثارت هواجس قاطني هذه المناطق، وربما بدأت تشعر بالغبن وعدم التوزيع العادل للسلطة والثروة، فغالبية قيادات إعلان الحرية والتغيير التي تتصدر المشهد السياسي تنتمي للخرطوم والمناطق الشمالية القريبة منها، وربما ذلك ما جعل الجبهة الثورية تفطن باكراً إلى السياريوهات المقبلة فتبادر برفض الحكومة المزمع تكوينها حتى قبل أن ترى النور.

 التهميش كمفهوم سياسي اجتماعي علينا أن نتعرف على أسبابه وكيفية معالجته حتى نتمكن من دفع التطور الديمقراطي في السودان في الاتجاه الصحيح، وحتى لا نعود إلى المربع الأول لممارسات الماضي, وحتى يتمكن كل مواطن سوداني من  الاستمتاع بالموارد التي توفرها الدولة. 

مناطق الضرر 

ومؤخراً قالت الجبهة الثورية، إنها ليست لها علاقة بتكوين أجهزة الحكم الانتقالي بالخرطوم، وأرجعت الأسباب إلى تغييب شريكي الحكم  لقضايا السلام والمواطنة بطريقة متعمّدة من أجل انفراد النخب بالحكم، وأوضحت في بيان ممهور بتوقيع كل مني أركو مناوي، ومالك عقار، “أن ما يحدث حالياً بالسودان محاولة للاستيلاء على حصاد 30 عاماً من النضال. الشعبوناشد البيان رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، برفض قوائم المرشحين والمرشحات للمناصب الوزارية والمجالس المتخصصة، وأوضح البيان “أن سياسة إقصاء الهامش المتعمّدة ستمزّق صفّ الثّورة، وأنّ الفصل بين قضايا الديمقراطية والسلام يكرّر تجارب الماضي المريرة، إلا أن الفريق شمس الدين الكباشي، عضو المجلس السيادي الحاكم في السودان، قال: لا يوجد ما يسمى “قوى الهامش، لأن الشعب السوداني كله قوى هامش، وأضاف عضو المجلس السيادي، ليست هناك قوى تسمى قوى الهامش، لو نظرنا إلى الشعب السوداني نجده كله من الهامش، صحيح ربما ما يطلق عليه الهامش اليوم هم الأكثر تضرراً من ويلات الحروب وممارسات الحكومات السابقة، وتابع الكباشي، لكن ليست هناك قوى بعينها تسمى قوى الهامش، وبكل تأكيد هذا الاتفاق وأي اتفاق لن يرضي الجميع، ونأمل أن تكون نقاط الاختلاف سواء بالنسبة لقوى الهامش أوغيرها قليلة نستطيع من خلال الإرادة والتفاهم حلها وتجاوز أي خلافات غير جوهرية مستقبلاً.

الهوية والمواطنة  

ربط  المحلل السياسي مبارك حامد دربين قوى تحرير السودان بالتغيير الذي جاءت به الثورة بالتأصيل لمفاهيم المواطنة والهوية، وبالتالي تغيير مفاهيم التهميش التي ظلت سائدة للثلاثة عقود المنصرمة، وقال إن الإشكالات التي وقعت فيها قوى التغيير والتي قد تودي بالحكومة الانتقالية لتحيد عن الطريق الذي رسمته الثورة ربما تتمثل في اختيارها قائمة المرشحين،  وأردف: كان حرياً بها ترك الخيار لرئيس مجلس الوزراء الذي اتفق علية كل المكون السوداني بالداخل، وله علاقات كبيرة بالخارج، وأقر دربين بأن جذور المشكلة السودانية تتمثل في قضية المواطنة والهوية، ولذلك كان لابد من أن تهب ثورة شاملة لتقتلع التغيير المنشود، وأردف بأن السبيل الوحيد لبناء المجتمع هو الشراكة الحقيقية لا سيطرة طرف على آخر، إن أي سبيل غير هذا فيه خطر على المركز ذاته، لأن الحفاظ على تماسك الدولة في  ظل غياب الشراكة هو أمر غير ممكن مع الوعي المتزايد للشعب السوداني ورغبته  في أن تكون له كلمة في واقعه ومستقبله، وأن يعطى لها نصيب في خيرات أرضه وثرواته.

تهميش ديمغرافي 

يقول ابن خلدون إن مركز الدولة هو القلب النابض، وإذا غلب المركز لم ينفع السلطة  بقاء الأطراف، أما إذا لحق الضرر بالأطراف فالسلطة ربما تستمر، العلاقة بين المركز والأطراف في الدولة الواحدة علاقة ذات اتجاه واحد، فالهامش يتأثر بالمركز، لذا فإن تصدع المركز وسقوطه يؤدي إلى انهيار الأطراف، ويقول المحلل السياسي د. صلاح الدومة (للصيحة) إن التهميش يعنى به تغييب العدالة، والثورة جاءت بمفاهيم العدالة التي أظنها ضد التهميش، وطالما هنالك اتجاه لبسط العدالة إذن فلا داعي للحديث الآن عن التهميش خاصة وأن التهميش ليس جغرافياً كما يعتقد البعض وإنما ديمغرافي، حيث تسيطر قوى حزبية على المركز أغلبها مناطق نيلية، وربما كانت هذه القوى منحدرة من مناطق تعاني من ذات التهميش، وأطلق سؤالا عن هل يحق للجبهة الثورية التحدث عن التهميش؟ وهل جماعاتها هي الوحيدة  المنحدرة من أقاليم بعينها عانت التهميش أكثر من ولايات أخرى.  

مخاوف مشروعة 

يرى المحلل السياسي والخبير المختص بمناطق التماس د. محمد بابو نواي في حديثه (للصيحة) بأن مخاوف الجبهة الثورية تعتبر مشروعة لجهة التجارب التي خاضتها مع النظام السابق وما حدث مع مناوي،عقار، وعبد العزيز، قال بأن الحكومة التي تحدثت عنها الحرية والتغيير أعلنت عن كفاءات فيما أظهرت التسريبات بأن التشكيلة التي بصدد تكوينها من المحاصصات، وهي بالتالي ما تجعل الرفض من قبل الجبهة الثورية وارداً، وعرف  نواي التهميش بأنها قضايا التنمية غير المتوازنة بمناطق طرفية مثل جبال النوبة، النيل الأزرق، حتى الولاية الشمالية سبق وانبثق منها كيان عرف بكيان الشمال ثار ضد التهميش. 

Exit mobile version