التغيير الوزاري (المؤثّر)

ومما لا يشك ولا يرتاب فيه أن صلاح الحاكم وصلاح وزرائه وولاته وعماله فيه الخير الكثير لأنفسهم وللمحكومين والرعية، والبلاد والعباد، وذلك بما لدى الحاكم من سلطة وقوة يستطيع بها إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وإقامة العدل وتحقيقه، ومحاربة الفساد والظلم وغير ذلك.

إن تشخيص أمراض المجتمع من الأمور الضرورية، ويتبع ذلك بوصف أسباب العلاج، وفي هذين الأمرين: التشخيص والعلاج، يتفاوت الناس تفاوتاً كبيراً، ويصدق عليهم الوصف أنهم (طرائق قِددا)، وإذا استمعت لبعض من يحللون في واقعنا فإنك ستجد تحقق المثل: (كل إناء بما فيه ينضح) .. فكلٌ يحلل وفق ما لديه من معلومات وقناعات.. وثقافة وتربية .. وغير ذلك.

يجب أن يعلم كلُّ من ينتظر التشكيل الوزاري الجديد أن لله تعالى في هذا الكون سنناً لا تتبدّل ولا تتغير: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا).. فإن الرخاء وطِيب العيش وسعة الرزق وتوفر الأمن يرتبط بصحة المعتقد والإقبال على الله وتحقيق تقوى الله التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، لنتأمل مما ورد في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض).. (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) .. (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) …. (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) ..

إن من سنة الله الكونية أن بقدر إعراض الناس عن دين الله وبعدهم عن أوامره ووقوعهم في نواهيه تكون العقوبات والمصائب والبلايا، لا تتخلّف هذه السنة الكونية ولا تتبدّل ، قال الله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) هذه هي النتيجة التي يصل إليها المعرضون عن دين الله وعن توجيهاته وتوجيهات رسوله محمد عليه الصلاة والسلام.

وإذا تأملنا واقعنا في مجتمعنا وجدنا من أسباب غضب الله تعالى ما هو كثير غير قليل ، كالإعراض عن دين الله وقد يصحب الإعراض عن أوامر الله تعالى المجاهرة بالإعراض والعصيان وقد ورد الوعيد الشديد للمجاهرين والمجاهرات فقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام : (كل أمتي معافى إلا المجاهرين).. رواه البخاري. فلن تكون عافية للمجاهرين بما يسخط الله ويغضبه والمجاهرين بمعصيته وإن تغير أصحاب المناصب واختلفت الأسماء.

إننا إذا نظرنا في واقعنا وحالنا وجدنا أنواعاً من الإعراض والمجاهرة بالمخالفات الشرعية، ومؤسف أن كثيراً من وسائل الإعلام تسهم في نشر الفساد والمجاهرة به.

إن التغيير الحقيقي و(المؤثر) بتغيير أحوالنا تجاه ديننا وتجاه مسؤولياتنا وأداء الحقوق التي وجبت علينا، فإن استقمنا على الدين فإن الله تعالى يغير ما بنا من أحوال وجميعنا يحفظ قول مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله : (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).

إن المصلحين في مجتمعنا يعانون من كثرة الفساد بأنواعه وانتشاره، فساد في المعتقد وفساد في الأخلاق وفساد في التعبد بالوقوع في البدع والمحدثات وفساد في أداء الأمانات وانتهاك للأعراض، إلا من رحم الله، وهذا الفساد من سنة الله الكونية أن تلازمه العقوبات ونقص الأرزاق ومحق البركة وتفشي الأمراض (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) .. فإن الله تعالى ربط بين الفساد وهو نتيجة ومآل وبين أفعال الناس وتصرفاتهم.

ومن يعلم سنن الله الكونية يعرف : كيف ومتى يكون التغيير الحقيقي والمؤثر!! وفي هذا يتبين فضل العالم على غيره (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).

هذا هو الداء وهذا هو الدواء، وهذه هي سنة الله الكونية، فعلى الحريص على الإصلاح وتغير الحال أن يحسن وصف الدواء لنفسه ولغيره، فالفساد الذي ينتزع به حق الله في العبادة، أو حق نبيه عليه الصلاة والسلام في الاتباع والطاعة من أهم ما يجب أن يعتنى بحسمه، وغيرها من صور الفساد كالظلم وأكل الأموال بالباطل سواء المال العام أم الخاص.

قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

في تفسير هذه الآية نقرأ في تفسير القرطبي ما يلي: “وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالماً آخر. ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم. وقال فضيل بن عياض: إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم فقف، وانظر فيه متعجباً. وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم، إذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم …”أ.هـ. 

ويذكر أن رجلاً من الخوارج جاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال له: يا علي ما بال الناس انتقدوا عليك ولم ينتقدوا على أبي بكر وعمر؟ فقال له علي رضي الله عنه: إن رجال أبي بكر وعمر كنت أنا وأمثالي، أما رجالي فكنت أنت وأمثالك !!.

إن التغيير الحقيقي و(المؤثر) في واقعنا يكون بتصفية الدين مما أُلصِق فيه وهو ليس منه كالشرك والبدع والموضوعات والمختلقات، وتربية الناس صغاراً وكباراً على الإسلام المُصَفّى، وربطهم بهدي النبي الكريم وسيرة الخلفاء الراشدين، والسلف الصالحين من علماء هذه الأمة.. وهذا ما يجب أن تتضافر فيه الجهود ويجد العناية من كل من يهمه إصلاح مجتمعنا وحياته الطيبة في العاجل والآجل.. وقد نشرت بهذا العمود مقالاً قبل أيام بعنوان: (المناصب) أرجو ممن يقرأ مقالي هذا أن يطلع عليهما لتكتمل مادة الموضوع لديه ..

أتمنى أن ندرك هذه السنة الكونية التي يجريها الله تعالى في خلقه، ويتغير بسبب ذلك حالنا فنعلن توبة صادقة وصالحة ونقبل على دين الله تعالى ونعبده على هدي نبيه عليه الصلاة والسلام ونجتهد في الاستقامة على طاعته سبحانه وتعالى ونتناصح ونتعاون على البر والتقوى حتى يغير الله ما بنا ويرحمنا، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى