حرب 15 أبريل والعودة على رماد النكبة

أبوعبيدة برغوث يكتب..حرب 15 أبريل والعودة على رماد النكبة
ثمة عجوز يتأهب للرحيل عندما وصلنا إلى هناك وكان النهار قد أوشك على المنتصف، وخلف تلك التلال كان يسير رتل من السيارات صوب إحدى مقرات الجيش المعنية بتدريب الجنود، لم يكن الشاب الذى إستفسرته سوى شخص يحلم ببناء سودان جديد يحظى فيه بفرص متساوية مع الآخرين في الإلتحاق بالمؤسسات الأمنية التي ظلت حكراً لمجموعات محددة منذ الإستقلال.
كنت آمل أن أناقشه أكثر في تصوره للإنتقال وهيكلة المنظومة الأمنية في بلادنا، إلا أن ذلك العجوز قال مقاطعاً وهو قد إستعد للرحيل أنه من البادية ومازال يحافظ على تقاليدها وقيمها، وأردف أن البادية موطن الصوفية المتساحمة والحياة فيها تتسم بالصراحة والوضوح والناس فيها لا يكذبون فهم أنقياء ولكن هنا ويعني حيث مجلسنا عليك أن لا تصدق كل هذه الإحتفالات والمدح وهو يشير إلى جموع المحتفلين والمشاركين من الرتب العسكرية بكرنفال التخريج، ويضيف العجوز فهم لايريدون رؤية هؤلاء الجنود ضمن منظومة القيادة ثم إلتفت يميناً ويساراً و همس في أذني قأئلاً غداً سينقلبون عليه عندما يقول لهم (لا) ثم أضاف بصوت عالي أعتقد أنكم وصلتم لوجهتكم، بعد هذا التقاطع خذ المسار يميناً حيث يقع مبنى الكلية الحربية.
وصلنا إلى البوابة أرشدنا الجند إلى المدخل الذي يؤدي إلى ساحة الإحتفال المقام على شرف تخريج دفعة جديدة من قوات الدعم السريع، وأنا أحدق في الجنود الذين يتأهبون للتخرج وحديث العجوز صار كالوسواس يطاردني طيلة فترة الإحتفال ونحن نقف متنازعين مابين الواقع والخيال- الواقع أن ما قاله العجوز هو الحقيقة لأن الدولة ظلت حكراً لاؤلئك منذ العام 1956وبالتالي لايسمحون للآخرين أن يشاركوهم فيها وفي تلك الأثناء طلب أحد الجنود منا أن نفسح الطريق لدخول (كنڤوى) سيادي كان يقل القائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق البرهان وآخر يقل نائبه الفريق حميدتي قائد الدعم السريع ولوح حشد من المواطنين بأياديهم ترحيباً بهما، وقتها لم يصف برهان تلك القوات بالمليشيا ولا بالأجانب ولا المرتزقة بل ظل خلال خطابه الطويل يمدح فيها ويشيد بمواقفها الوطنية العظيمة في حماية حدود البلاد.
وخلال الإحتفال لم تكن الإجراءات مشددة ولم يتم تفتيش القادمين للحفل تفتيشاً شخصياً كما جرت العادة فقط هناك جنود منتشرين يرشدون الناس لبوابات الدخول.
كنت قد وصلت إلى هناك مع آخرين لنشهد تخريج أحد أقاربنا كان ضمن القوة المتخرجة، سألني أحد الرجال وهو يجلس بجواري رأى ما يجري قلت له الحرب ستندلع، نظر لي الرجل مندهشاً دون أن يتكلم بشئ ثم أضفت له قائلاً هل تعتقد أن نظام البشير غادر المشهد؟. قال (بالطبع لا أعتقد ذلك) فالنظام موجود الآن في كل المؤسسات ولولا قوات الدعم السريع لعادوا للسلطة منذ الشهور الست الأولى لتشكيل حكومة حمدوك لأنهم مازالوا مسيطرين على الأجهزة الأمنية والجيش والشرطة والأمن بجانب المؤسسات الاقتصادية وعندما قلت له ستندلع الحرب لم أقل ذلك عن فراغ بل بناء على قراءة دقيقة للمشهد، و فى أحد اللقاءت إستفسرت صديق مقرب من مدير المخابرات السابق صلاح عبدالله قوش وهو أيضاً مقرب من الدوائر الإسلامية قلت له قوش لن يعود للمشهد مجدداً صمت برهة ثم قال لي يمكن أن يعود ولكن عن طريق الدم أدركت حينها أنهم يخططون للحرب وكان ذلك فى عام 2021.
هل تعلم أن هؤلاء لايريدون أن يروا السودان وهو يخطو نحو التسوية السياسية التى تعبر محطة جدل الهامش والمركز وأن يستثمر السودانين هذا التغيير الذي حدث وهو تغييراً إذا أحسنا التعامل معه يمكن أن يقودنا إلى سلام دائم نعالج من خلاله جذور الأزمة السودانية وفقاً لمبدأ المساواة بين الناس. أعتقد ياصديقي هذه أماني ظللنا نتطلع لتحقيقها منذ إتفاقية نيفاشا ولكن دعني أكن صريحاً معك أكثر المركز من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يتفق على عدم بناء وتأسيس دولة المساواة لأن الأحزاب التاريخية ستفقد إمتيازاتها التاريخية التي حصلت عليها في حين غفلة من السودانيين وأعتقد أن عودة الإسلاميين عن طريق الدم كما حدثني صديقي يمكن أن تجعلهم يدركون أن الحرب التي ظلوا يشعلونها في كل مره قد تحرقهم وبعدها يمكن أن يبنى السودانيين وطناً يعيشون فيه بسلام وفق الحقوق والواجبات ولايعيشون فيه غرباء كما هو ماثل الآن للكثيرين، مضى وقت وأنا لم ألتقي صديقي المقرب من دوائر صنع القرار في نظام البشير حتى حدث إنقلاب 25 أكتوبر 2021م وعندها إتصلت به وحددنا موعداً للقاء، وعندما ذهبت إليه بمنزله بحي الرياض المشتل قلت له العالم لن يقبل بأي حكومة جديدة، نظر لي مبتسماً وقال المشكلة ليس في العالم ولكن المشكلة تكمن في (الخال) قالها مازحاً يقصد “حميدتي” ومضى قائلاً: هو حميدتي مصدق يعني أن الحركة الاسلامية غادرت المشهد ولا شنو!؟ ثم وجه حديثة لي هل هذا الرجل يعتقد أن الإنقلاب الذي شارك فيه من خلفه الحركة الاسلامية سيستمر وهو مادفعه لرفض مناقشة تكوين أي حكومة بل يسعى الآن لعودة حمدوك؟ ولكنني أقول لك حتى لو عاد حمدوك لن نتركه يستمر أكثر من شهرين،،، خرجت منه وأنا على يقين أن الصراع بين قائد الجيش وقائد الدعم السريع سيأخذ منحنى آخر لأن مساحة التقارب بين الرجلين باتت بعيدة، ففي وقت يعمل فيه برهان ومن خلفه مؤسسات عديدة في الدولة على عودة الإسلاميين للحكم من جديد، كان “حميدتي” يعمل على وضع أسس جديدة للتحول الديمقراطي من خلال حكم مدني يعزل أتباع النظام البائد.
مر عام على الإنقلاب ولم تشكل الحكومة إلى أن وصلنا محطة الإتفاق الإطاري الذي ووجه بإنتقادات إعلامية واسعة.
ونحن نتابع تلك المناقشات إذا بزميل صحفي يستفسر عن الورش التي جاءت في الإتفاق ورأي قائد الجيش فيها طلبت منه أن يمهلني وقت لأجرى اتصالاً مع شخصاً ثم أفيده بالفعل إتصلت بشخص مقرب من قائد الجيش الفريق البرهان وأيضاً مقرب جداً من الفريق الكباشي، مستفسرآ عن مدى جدية المؤسسة العسكرية في المضي قدماً في الإتفاق الإطاري جاء رده لن نمضي فيه وعندما نصل ورشة الإصلاح الأمني وقتها سننسحب،، تناقشنا أنا وزميلي حول تلك الإفادة وخلصنا إلى أن الحرب في الطريق،،، وصاحبت تلك الفترة حملة إعلامية وأسعة تدعوا للتعبئة للحرب وأذكر أنني قمت بمداخله في إحدي قروبات التواصل التي يوجد فيها تلك القيادة قلت فيها إن الطريق الأمثل لحل أزمة القوات التي وصلت مطار مروي هو الحل السلمي وأشرت إلى تجربة الصراع في جنوب السودان بين الرئيس ونائبه التي فقد فيها الآلاف من المواطنين أرواحهم ثم عادوا مجدداً للتسوية السياسية وأذكر أن عبد الله على مسار ذهب في ذات الإتجاه الذي ذهبت فيه ولكن على الفور إتصل بي ذات الرجل المقرب من قيادة الجيش وقال لي بالحرف الوحد (نحن خطنا العام هو التعبئة للحرب) كنت وقتها أدركت أن هؤلاء القوم قد حسموا أمرهم على الحرب إلا أنهم لم يحسبوا إنهم ربما يخسرونها.
وبالفعل إندلعت الحرب في 15 أبريل عندما هاجم الجيش قوات تابعة للدعم السريع في المدينة الرياضية نتج عنها إلى الآن تشريد أكثر من 6 ملايين مواطن وفقد الآلاف أرواحهم وبات الأحياء منهم يواجهون خطر المجاعة، ففي الوقت الذي يوجه العالم نداء لطرفي الصراع لإنهاء الحرب ظلت الجماعات الاسلامية المسيطرة على الحيش ترفض الحلول السلمية وتدعوا لمواصلة القتال الذى ظلت تخسر فيه المعارك التي تخوضها في جبهات القتال المختلفة وهي معارك تسببت في زيادة معاناة السودانيين.
سألني صديقي وما العمل ما هو الحل ؟؟
الحل يكمن يا صديقي في أن تتلاقي إرادة الشرفاء من أبناء بلادي مع إرادة العالم على حمل هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تسيطر على القرار داخل القوات المسلحة على الرضوخ لإرادة الشعب السوداني في وقف الحرب وإنهاء معاناته والإنتقال للمسار الديمقراطي تحقيقياً لتطلعات هذا الشعب الأبي.

سلام ياصاحبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى