Site icon صحيفة الصيحة

السودان!أُفق جديد ونهضة وشفافية مُطلقة

فاطمة لقاوة

الجمعة،٣نوفبر/٢٠٢٣م
لا أذيع لكم سِراً بأنني نشأت في ظروف يحيط بها شبح الحرب، نحن والأجيال التي سبقتنا،ولم يسلم منها الذين جاءوا بعدنا،فجميعنا عِشنا ظُروف الحرب القاسية وتعايشنا معها ،فالذي يخرج من منزلة في الصباح من أجل كَسب لُقمة عيشه، لا يضمن حياته والعودة سالماً لأسرته في المساء.
كُنت أتسائل :لماذا القدر وضعنا كمجتمعات في ساحة مُعترك الأفيال ،لُنقتل دون سبب ولن نجد من يحمينا؟!بل رأيت بأم عيني كيف أن مجتمعاتنا المكتوية بنار الإستهداف من قِبل المتفلتين الذين وجدوا المأوى في المناطق الحركات المسلحة،قد إستغل المركز عاطفة فرسان تلك المجتمعات ليخوضوا حروب وكالة عن دولة ،عجزت عن حماية مواطنيها فلجأت إلى إستقطابهم والزج بهم في آتون حروبها العبثية الشعواء .
رأيت بأم عيني كيف أن حكومة المركز في عهد الإنقاذ قتلت المعلمين والأطباء في جنوب كردفان ببشاعة دون أسباب منطقية،ومن ضمن الضحايا كانوا أساتذتنا في المدارس الثانوية-(أستاذ يوسف صابون وأستاذ يوسف جلدقون)- وإبن لقاوة البار دكتور “عُمر إبراهيم كنو”الذي كان رؤوف ببنات لقاوة بمختلف إثنياتهم ،ولم نرى منه إلا الإهتمام والعناية.
تلك الأحداث خلقت في دواخلي كراهية أبدية لحكومة الإنقاذ وتمنيت زوالها وسعيت الى ذلك بكل ما أملك من مساحة ،فكنت واحدة من الذين بدأوا بمناهضة حُكم الإنقاذ.
تبلورت أفكاري أكثر بعد دخول الجامعة،ودارستي للغة العربية والتاريخ ،فجاءات تحليلاتي وتساؤلاتي التي كُنت أطرحها بكل جراءة على أساتذتي وما زالت هذة الأسلئة تدور بخاطري فأجد التفسيرات لبعضها وأبحث عن الأجابات للأخرى.
كنت أتسائل:هل التاريخ السوداني كُتب بكل شفافية ومصداقية؟وهل الأبطال الذين سطروا الملاحم التاريخية تم إنصافهم وتحدث عنهم المؤرخين بكل شفافية؟!.
الأسئلة هذة لم تأتي من فراغ !!جاءات نتيجة لتجربة مررت بها وأنا طالبة ثانوي تم نقلي من مدرسة كادقلي الثانوية للبنات إلى مدرسة العشى في بورتسودان ،ومنها إلى مدرسة خشم القربة الثانوية ،و ذات يوم وفي حِصة الجغرافيا(مادة الخرائط)،إنبرى معلمنا ليحدثنا عن خطوط الكنتور ،وكان يتحدث فجأة ،قال لنا :(أن واضع مادة الجغرافيا هذا ،من كردفان ،لذلك جاءات دراسته بمقياس ظهر الثور “التور”،-وقال الإستاذ مواصلا حديثه-:تصدقوا يا أبنائي لو زول في كردفان من لقاوة جاي مسافر الى الأبيض إلا يركب تور “ثور” واحتمال يصل في شهر ،وصدقوا-(موجه الكلام لنا):للآن الناس ديل هناك بمشوا عريانين !!.
فهذة اللحظة أنبريت لذاك المُعلم بتهكم غير معتاد من طالبة ،وقلت له:يا أستاذ كمل روايتك وقول كمان :بيأكلوا الناس وبقوموا بعاعيت !!!!،فنهرني المعلم!،ولكنني واصلت كلامي، وتحركت من الكرسي والدرج وذهبت ووقفت قصاد المعلم وقلت له :انا فاطمة ضيف الله علي ،من كردفان /لقاوة -(من تلك الواقعة عُرفت بإسم “فاطمة لقاوة”بين زملائي الطلاب)-وجئت من هناك لظروف قبل شهر ،وانا أقول لك يا أستاذ :انت كاذب.
صحيح أن منطقتنا ما فيها طُرق مُعبدة ولا خدمات متوفرة ،لكننا نحن أعزاء ولوا تحركنا بالثور من لقاوة للأبيض بنصلها في إسبوع فقط وليست شهر كما تزعم ،واهلنا بلبسوا ذيهم وذي بقية الشعوب وعندنا ثقافة وعادات تحتاج فقط لمن ينقلها للأخرين بصدق ،وعدم وجود تنمية متوازنة هذا ليس ذنبنا نحن المواطنين،دي ذنب حكومتكم التي لم تحسن التنمية ولم تنصفنا ،في حين انت شكلك تعلمت على عاتق ضرائب القطعان التي دفعها اهلنا ،وكانت دعم للتعليم والداخليات،التي جاءات حكومتك هسع وجففت الداخليات وأضرت العملية التربوية.
فكانت ردة فِعل الطلاب انهم منحوني صفقة كبيرة ،بينما المعلم حاول تغطية فضيحته بإستدعائي في مكتب المدير وطالبني بإحضار ولي أمري .
من ذاك الوقت صممت أن أدرس التاريخ لأبحث أكثر .
في الجامعة كنت أسأل دائما:لماذا لم يُنصف عبدالله التعايشي الذي كان العمود الفقري للثورة المهدية؟ولماذا ثورة المك عجبنا في جبال النوبة ،لم تجد الدراسة الكافية،بينما شِّكلة عبدالقادر ود حبوبة التي جاءات صدفة أُفردت لها المُجلدات تمجيدا؟!لماذا المناضلة مندي بنت السلطان عجبنا التي قاتلت المستعمر لم يذكرها التاريخ بإنصاف بينما يمجدوا مهيرة بت عبود التي كانت تزغرد فقط؟لماذا ظُلمت رابحة الكنانية التي قطعت الفيافي لإخبار المهدي بخبر حملة راشد بك إيمن !لم يمجدها التاريخ ،بينما تغنوا لعازة؟!.
لذلك كتبت بحثين في ظاهرهما الجانب اللغوي ،بينما الباطن كان الهدف منه التوثيق التاريخي ،البحث الأول (الحرب وأثرها اللُغوي في مناطق جبال النوبة)،اما البحث الثاني فكان عنوانه (الشِعر الشفوي عند قبيلة المسيرية)،وقد جاءت رسالتي للماجستير عنوانها:”غُربة الزمان والمكان في شِعر فضيلي جماع”.
ليست تعنصراً أو تقوقع مناطقي كما يظن البعض،بقدر ما هو مجهود من أجل إنصاف من ظلمهم التاريخ من وجهة نظري .
الظُلم التاريخي لم يتوقف والإستهبال السياسي مُمتد وصناعة الأحداث وتوجِهها بعناية فائقة من خلال غُرف الطباخة المغلقة بأيادي تجيد صناعة وحياكة وحبكة الوقائع مُستمر ،وسرعان ما يقع أفراد وقيادة الحركات الثورية المناهضة للمركز في الفخ الذي رُسم لهم ،وشاهدنا ذلك في الأخطاء التي وقعت فيها الحركات المسلحة -(الحركة الشعبية+حركات دارفور)- وإستهداف عناصرها للأهالي الرعاة دون مًبرر ،ليستفيد المركز من هذا الخطأ الإستراتيجي ويستخدم الأهالي في حربه ضد الحركات المًسلحة.
رغم سوأة الإنقاذ وقبضتها الباطشةإلاَّ أن الشعب السوداني بتضافر الجهود وتعاون قيادات الدعم السريع إستطاعوا إجبار الطقمة الجبارة على الإستسلام والإنزواء وإعلان البشير التنحي،ولكنها كانت تمثيلية أجادوا حبكتها الشيطانية من أجل تجهيز المسرح لعودتهم والإنقضاض على الثورة وحُماتها،فكانت الفواجع المتتالية التي بدأوها بمجزرة القيادة ،ومن ثم إنقلاب ٢٥إكتوبر بعد أن نجحوا في زرع الفجوة بين الثوار وحُماة الثورة،ثم تعاقبت الأزمات وخلق المتاريس ،وكان ختامها حرب ١٥أبريل القذرة ،التي أشعلوها بكل خُبث ومُكر ظنا منهم بأن في إستطاعتهم القضاء على الدعم السريع وإحكام السيطرة على الشارع السوداني ليعودوا لبطشهم وسطوتهم،ولكن إرادة الله كانت أقوى فإنكشفت حقيقتهم وأصابهم الخُزي والعار وتعاقبت عليهم الهزائم المُتتالية وولوا الأدبار هاربين هرعين مُتخفين وبراميل طائراتهم الحارقة توزع الموت على أبناء الغلابة.
الحرب رغم مرارتها ووجعها الذي دخل كُل البيوت السودانية إلاِّ أنها فاتحة خير من أجل كنس كل الضغائن والأحقاد التي صنعها الإنقاذيين ،وإعادة بناء وترتيب دولة المؤسسات التي تسع الجميع دون تمييز.
إن المعارك التي يخوضها أشاوس قوات الدعم السريع،بثبات تُجسد معنى الملاحم التي تقودنا للتحول التاريخي العظيم الذي ظل ينشده الشعب السوداني،وأن السودان مُقبل نحو أفق جديد تسوده الشفافية المُطلقة وهذا ما شهدناه اليوم في خطاب الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع الذي تحدث وافاد وأوضح دون لبس أو مواربة.
فهل التاريخ سينصف صُناع التحول التاريخي هذا!!؟
ولنا عودة بإذن الله

Exit mobile version