رئيس حركة تحرير السودان مبارك دربين لـ(الصيحة) 1/2

تعقيدات وتهديدات كثيرة تعترض الاتفاق ولهذا لست متفائلاً

حوار عبد الله عبد الرحيم- تصوير محمد نور محكر

أحدث الاتفاق الذي أبرمه المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير ردود أفعال متباينة وسط الساحة السياسية داخلياً وخارجياً، فبالكاد تجد أن هناك إجماعاً على ما تم دون أن تبدي جهة ما موقفاً مغايراً وتعضيداً.

 لهذا الموقف، أكد اللواء مبارك دربين رئيس حركة تحرير السودان الموقعة على سلام أبوجاً قبل أن تتحول لحزب سياسي موقفهم الحذر من الاتفاق الذي تم توقيعه مؤخراً، وكشف عن مَواطِن قال إنها ستساعد على نسف ما تم، إذا لم يتم تدارك الأمر سريعاً بإجراء اتفاق شامل مع كل القوى السياسية لا يستبعد منه أحد وانتقد موقف قوى التغيير الإقصائي لكل القوى السياسية التي لم توقع على وثيقة إعلان الحرية والتغيير واعتبارهم قوى شريكة للحزب الحاكم البائد مؤكداً أن هذا المنطق من شأنه أن يبدد كل أحلام وآمال الوحدة وتضميد جراح إنسان السودان اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

كما تطرق لموقف الحركات المسلحة قبل وبعد اتفاق السلام في وقت عاب فيه على المجلس العسكري تراجعه عن عهده الذي قطعه للقوى السياسية ببقائه على مسافة واحدة. 

هذا وغيره من القضايا المهمة في المساحة التالية: 

*الساحة السياسية تشهد تطورات يومية متلاحقة، فكيف تنظر للاتفاق الذي أبرم مؤخراً بين المجلس العسكري وقوى التغيير؟

الساحة الآن حبلى بالكثير من الأحداث وآخرها الاتفاق الذي تم بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي. دعني أتحدث من منظور حركة تحرير السودان، وهي من أوائل الحركات التي وقعت على اتفاقية أبوجا قبل أن تتحول لحزب سياسي في العام 2015، حقيقة اطلعت على الاتفاقية بيد أنها أجحفت وظلمت الكثيرين بإقصائهم، لأنها ارتكزت فقط على قوى الحرية والتغيير وكأن السودان لا توجد فيه قوى سياسية أخرى غيرهم. السودان أخي مرّ بمحطات ومطبات عديدة منذ استقلال السودان وإلى بعد 1989م قيام الانقاذ الوطني، وهنالك انتفاضات وحركات وكانت أكبر هذه الحركات في دارفور وهي التي  راح ضحية لها أكثر من خمسمائة مواطن في دارفور وحدها دون النيل الأزرق وجنوب كردفان، بالإضافة لتشريد أكثر من ثلاثة ملايين سواء اكانوا نازحين أو لاجئين في دول الجوار أو في شكل فقراء مدن مشتتين في المدن السودانية المختلفة، كل هذا أدى لإضعاف الحكومة المركزية. ولا يعقل أن تحكم قوى الحرية والتغيير على كل هذه الحركات والانتفاضات بالإقصاء، وحتى قوى الحرية شارك فيها أبناء الهامش بنسبة أكثر من 90%، ولكن من المؤسف الذين قاموا بتنظيم ثورة 11 أبريل قاموا بإقصائهم وعزلهم فيما بعد. 

*ولكن المهنيين هم من أشعل فتيل الثورة التي أطاحت بالنظام السابق؟

المهنيون لا ننكر دورهم قاموا بالتنظيم، ولكنهم من بعد قاموا بإقصاء القوى السياسية التي لها تحالفات مع المؤتمر الوطني عبر الشراكات السياسية، إذ أن هناك 17 حزباً وحركة لهم شراكة سياسية مع المؤتمر الوطني منذ 2010، وفي 2015 خصص لهم الحزب الدوائر الجغرافية على مستوى المجلس الوطني ومجلس الولايات بنسبة 30% بينما للوطني الـ 70% الأخرى، هؤلاء يمكن أن يكونوا جزءاً من المؤتمر الوطني وعلى قوى التغيير أن تميز ذلك؛ ولمعالجة الأزمة والإقصاء لابد من أن يبدأ الناس من جديد ويتركوا الماضي. 

*هل تواجهون الآن إقصاءً من قوى الحرية وما هو موقفكم كحركة موقعة على اتفاقية سلام؟

نحن حقيقة الآن لا نعرف مصير الاتفاقية التي وقعناها مع الحكومة السودانية، ورغم أننا خرجنا من الحوار الوطني بمعية العديد من الحركات المسلحة والأحزاب، بعد أن تم تقديم أكثر من 17 من عناصرنا للإعدام، خرجنا لعدم وجود الشفافية والحرية، ورغم ذلك قوى الحرية والتغيير عدتنا جزءاً من النظام البائد. أيضاً نحن نحمل على قوى الحرية والتغيير أنهم قالوا إن الثورة هي التي بدأت في 18 ديسمبر استلهاماً، وفي ذات الوقت معهم قوى نداء السودان والجبهة الثورية، وهؤلاء بدأوا النضال والثورة قبل هذا التاريخ بعشرات السنين، ذلك يعني أنهم نسفوا تاريخهم النضالي الطويل، ورغم ذلك اعترف المجلس العسكري بأن الثورة هي التي بدأت من 19 ديسمبر واعترف بأنها هي التي اقتلعت النظام.

 *أراك تلقي الكثير من اللوم على العسكري؟

نحن نحمل على المجلس العسكري تراجعه عن وعده الذي قطعه لنا بأن يقف على مسافة واحدة مع كل القوى السياسية خاصة وأن هنالك أكثر من 110 حزباً سياسياً، فالسودان في هذه المرحلة في حاجة لترميم التشققات ولتأمين المتطلبات الأساسية للمواطن ولتضميد الجراح، علينا جميعاً أن نسعى في متطلبات المرحلة الحقيقية وليس كما يطالب البعض في هذه الظروف الحساسة بضرورة إشراكهم في السلطة وغيره من الأمور. 

*وماذا سوف تفعلون تجاه هذا الوضع؟

نعترض على إقرار المجلس العسكري بأن هناك جهة واحدة فقط هي التي تفاوض معها وهي الحرية والتغيير، ونحن نتساءل هل هو يعترف فقط ويعطي صكوك الثورية لمن يعترف به فقط دون الآخرين.

*ما هي العقبات التي تعترض هذا الاتفاق برأيك؟

هناك مجموعة من التعقيدات والتهديدات فقد صدر بيان من الثورية رافض لهذا الاتفاق، كما أن جبريل ومناوي أيضاً أعلنا رفضهما له، بالإضافة للحزب الشيوعي، وقالوا إن الاتفاقية لا تعنيهما أبداً، وهذه القوى هي التي منحت كتلة الحرية والتغيير القوة وانسحابهما من الاتفاقية يعني أزمة كبيرة. 

الشيء الثاني الحركات التي وقعت اتفاقية سلام مع الدولة كونها لن تكون جزءاً من هذه الاتفاقية، فهذه مشكلة كبيرة يمكن أن يقودها للخط الثالث بعد انحيازها لمسيرة السلام لكونها لم تكن جزءاً من الاتفاقية الجديدة، ويعني هذا أن الاتفاقيات التي وقعوها سابقاً صارت مُلغاة، وللاعتراف بها لابد من حمل السلاح مرة أخرى.

*كيف هي أوضاع الموقعين على السلام، وهل تم توفيق أوضاعهم وهل هم مع السلام؟

خلال النظام السابق، لم يتم توفيق أوضاع الكثير من القيادات بالحركات المسلحة، ولكن جزءاً كبيراً منهم انخرط في العمل السياسي الآن، وهم الآن كانوا في ساحة الاعتصام، ولذلك نطالب الحكومة القادمة بتوفيق اوضاعهم ومراجعة مفوضيات السلطة الإقليمية والتي جاءت نتيجة للاتفاقيات، ومن الموسف تديرها الآن قيادات من المؤتمر الوطني، وجاء الوقت المناسب الآن لإرجاعها لتقوم بدورها في تنفيذ الاتفاق واستيعاب المقاتلين السابقين للقيام بهذا الدور.

*هل اعترضتم على ذلك الوضع في الحكومة السابقة؟

نعم، طالبنا بذلك كثيراً حقيقة، خاصة عبر مكتب سلام دارفور وطالبنا بإعفاء مجدي خلف الله والآخرين، وتم إعفاؤه، ولكن لا زالت المفوضيات قائمة وتحت أمر منسوبي الحزب الحاكم البائد الذي يحاول ضبط وتوجيه المفوضية لأغراض المؤتمر الوطني، ولذلك نحن نُطالب بالإبقاء على المفوضيات، ولكننا نطالب بتغيير الرموز التي تقوم بإدارتها. والشيء الثاني نحن لا نطالب بإدخالنا ضمن الـ(33%) لأنها للقوى السياسية الأخرى، ولكن نطالب بمعالجة وضعنا على نحو ما ذكرنا. نحن الآن نعتبر أنفسنا شركاء التغيير، ولذلك لا نرضى بأي عزل سياسي يقع علينا، ولا نريد أن يمارس الآقصاء تجاه أي حزب سياسي طالما هو سوداني، ومن حقه أن يمارس نشاطه ولكن إذا ثبت ارتكابه لفساد شخصي خلال العهد البائد، فيجب محاكمته وأن ينال جزاءه.

*هل المهددات التي تواجه الاتفاق عصية على تجاوزها؟

الآن قوى الإجماع الوطني برئاسة الحزب الشيوعي خارج الاتفاق، ويدعون لمقاطعته، لذلك نحن نرى من الضروري الآن مراجعة الأمر، ونحن لسنا حريصين على المشاركة في الجهاز التنفيذي خلال الفترة الانتقالية كما هو الحال لغيرنا، ولكن للمحافظة على الوطن ومكتسباته نرى ورغم أنهم ظلمونا كثيراً أن إشمال الجميع في أي حلول للأزمة السياسية والعمل على توفر عامل الثقة حتى لا تعم الساحة السياسية فتصبح كارثة حقيقية، لأن قوى الحرية والتغيير ليسوا وحدهم من حمل هَم التغيير والثورة.

*رفض الحركات المسلحة جاء رغم أنهم وضعوا ملاحق وطالبوا بتضمينها في الاتفاق الدستوري؟

أنا أنصح بالاتفاقية والجلوس إليهم مباشرة، هم في الأساس مع الحرية والتغيير ومن الذين وقعوا على ميثاقهم، ولكن تم إسقاطهم لا أدري سهواً أم قصداً رغم وجود شخصيات كبيرة منهم داخل الحرية والتغيير. كنت أطالب بحوار موازٍ للحقيقة معهم بمثل الذي تم مع الحرية والتغيير، لأنهم جزء لا يتجزأ وهم لأنهم حاملون للسلاح لا يستطيعون الحضور للسودان إلا بعد العفو العام، فلماذا لا يُفرَد لهم حوار منفصل.

*هل هذا هو مطلب الحركات المسلحة أيضاً؟

لا، ولكني أرى ذلك، لأنني كنت حركة مسلحة، وأعلم ما يجري بداخلهم من هواجس. والشيء الثاني هم شركاء بذات القدر الذي تستمتع به الحرية والتغيير، فلماذا يتم حوار مع جزء ويبعد الآخرون. 

*الحركات المسلحة أيضاً تم حوارها في أديس أبابا؟

ما جرى من حوار في أديس أبابا كان حوار الذات، لأن المجلس العسكري لم يكن موجوداً فيه، رغم احترامي للمبعوث الأفريقي الذي لحق بالمنبر مع قوى التغيير. ما جرى استهلاك للزمن فقط، رغم أن النتائج لم تجد طريقها للتنفيذ خلال الوثيقة الدستورية. ولا أدري لماذا أعطى إخواننا في الحركات المسلحة قوى الحرية والتغيير شيكاً على بياض ليحاوروا إنابة عنهم ويأتوا من بعد ليعلنوا رفضهم لما تم من اتفاقيات.

كنت أتمنى أن يستعجل الناس في إكمال عملية الحوار وصولاً لحلول جوهرية سريعة حتى لا تختطف الدولة بالانشغال عنها بقضايا السلطة، وكان يجب محاسبة المفسدين وتقديم المجرمين لمحاكمة مدنية، وهناك حقيقة أكثر من 63 قراراً أممياً بشأن جرائم دارفور، وعدد كبير جداً من المجرمين كان يجب أن يقدموا لمحاكمة دولية، ولكني أشك بأن قوى التغيير لديها أجندة داخلية وهي مخفية غير معروفة للشعب وتتنافى مع أهداف الثورة.

*الشيوعي يرى بأن قوى التغيير سلكت أسلوب الهبوط الناعم هل تشاركون الشيوعي هذا الفهم؟

هذا هو منطق المواطن السوداني، وهو الذي جعلنا نحمل السلاح، وناس التغيير انحرفوا عن هذا المبدأ وصاروا يجرون خلف السلطة والمناصب. أخي هموم المواطن السوداني هو غلاء المعيشة المستشري والانحراف الحاد في مسيرة البلاد الاقتصادية ومحاولة وضع حد لهذا الانحراف. وبهذا الأمر فإن المطلوبات الأساسية للاستقرار السياسي قد لا تتوافر إذا ما مضت قوى التغيير على هذا النهج.

*لم تبدِ تفاؤلاً بالوثيقة الدستورية التي تم توقيعها لماذا؟

أنا غير متفائل بالوثيقة الدستورية حقيقة، رغم الفرح الكبير الذي تجده الآن، و”المثل بقول الخريف الزين من شواقيره بيّن”، هناك اختلاف كبير جداً في بنود الدستوري الـ(12) وللقوى السياسية لديها مآخذ كبيرة عليه، فمثلاً كيف يتم اختيار الكفاءات المستقلة وهم من يرشحهم قوى التغيير في ظل وجود 107 أحزاب في الرصيف يتفرجون على هذا المشهد، فهل ستوافق على أن يأتي هذا الكم من الشخصيات من جهة سياسية منافسة لهم. هنالك اتفاق سابق بأن يتم استصحاب الرؤية المقدمة من القوى السياسية والتي قدمت بعض المستقلين لترشيحهم ضمن هؤلاء الذين سوف تأتي بهم قوى الحرية والتغيير، وأنا صرت أتوجس من مواقف المجلس العسكري الذي جلس مع الحرية والتغيير بمفرده، وأؤكد أن الأزمة ستكون أقوى من السابقة إذا ما أصرت الحرية والتغيير على أن تأتي بأشخاص من خارج المتفق عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى