Site icon صحيفة الصيحة

المبعوث الأمريكي السابق سكوت غرايشن لـ(الصيحة):

لن تكون هنالك دولة بينما المُتمرِّدون يتجوّلون ويُمارسون أعمالاً خطيرة

حَان وقت رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وليس هنالك سببٌ لتعطيله ليكون أفضل

من الضروري أن يتمتّع الجميع بحُقُوقٍ مُتساويةٍ للعيش في سلام ومُساواة

يجب على عناصر التّمرُّد أن يكون لديهم قرار وعليهم الاندماج في القوات الحكومية 

لن تكون هنالك إصلاحات اقتصادية ما لم يعم السلام

أذا أصرّ المُتمرِّدون على القتال عليهم تحمُّل النتائج

الجنرال الطيار سكوت غرايشن المبعوث السابق للإدارة الأمريكية في السودان والدبلوماسي ذو الخلفية العسكرية، يُعتبر من الشخصيات المُهمّة وذات المعرفة الواسعة بالملف السوداني وتعقيداته، خَاصّةً على مسار عملية السَّلام مع جنوب السودان أو قضية دارفور؛ ورغم أنّ الرجل قد أنهى مُهمّته في السودان قبل سَنواتٍ، لكنه ظلّ من المَراجع الحاضرة لدى أطراف إقليمية ودولية عديدة، كَمَا ظَلّ على تواصُل في الجوانب الاجتماعية مع مُكوِّناتٍ واسعةٍ من الطيف السوداني العريض، وهو ما كان مُناسبة إلى زيارته للخرطوم الأسبوع الماضي ومُشاركته في حفل التوقيع النهائي على وثيقة الانتقال السياسي بالسودان، فجاء هذا الحوار القصير والعابر معه، الذي تحدث فيه بصراحة وشفافية حول بعض الموضوعات:-

مشروع إخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لا يزال مُتأرجحاً بين الوعد والإرجاء.. إلى ماذا تُعزي ذلك؟ 

لقد كُنت مُحبطاً جداً في الماضي، كُنت أفكِّر في أنّه آن الأوان لخروج السودان من هذه القائمة (قائمة الدول الراعية للإرهاب)، لكنه لم يخرج وما زلت أعمل على ذلك، لكن ليس باستطاعتي فعل شئٍ غير المطالبة بذلك، لأنّني لست من صُنّاع القرار ولكنني انتظر ذلك بشدة.

بمعنى أنّك تعتقد أنّه قَد حَان بشكلٍ صريحٍ؟ 

أعتقد أنّ السُّودان خلال الثلاثة عقود الأخيرة كان مُستهلكاً للاهتمام ومحط التركيز العالمي، ولكنني أؤمن أنّنا يُمكننا أن نُغيِّر ذلك إذا اُتّخذت خطوات إيجابية، حيث إنه يمكن أن يكون بوتقة للسلام وذلك لعدة عوامل منها تنوُّع البُعد التاريخي والديني والجُغرافي.. كما يمكن أيضاً أن يكون السودان مُراقباً في المساعدة على اتفاقيات السلام والمُفاوضات، وقد آن الأوان لأنّ يكون هذا السودان مصدراً لإحلال السلام في العالم.

تتّفق مع الرأي القائل بأنّ تلك القائمة ظلمت السُّودانيين قبل الحكومة؟ 

يحتاج السودان لتلقي أطفاله البرامج التعليمية التي تُناسبهم وتحتاجون إلى الأشياء التي توجد في بقية العالم.. ليس هنالك سببٌ لتعطيل السودان في سَعيه ليكون دولة أفضل.. وفي اعتقادي أنّها ليست بقضية إرهاب فقط بينما هي قضية اقتصادية، اجتماعية وتعليمية، وأن كل الأجيال جُزءٌ من الحل.

سعادتك.. لكنك للآن لم تُفسِّر بناءً على ما شرحت لماذا تتمسّك واشنطن بإبقاء السودان إذن في القائمة؟

عملية رفع اسم السودان طويلة، ولكن رغم ذلك أنني أعتقد أنّ السودان يستوفي الشروط اللازمة ليتم حذف اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن هذا قرار الحكومة وليس قراري، حيث لا أدري ما هي التفاصيل، ولكن لا بُدّ من أن هنالك أسباباً جعلت حكومتنا ترى أنه من يجب أن يكون السودان في هذه القائمة، ولكن من وجهة نظري إذا استطاعت الحكومة الجديدة العمل مع المُجتمع الدولي لمُحاربة الإرهاب وبسط الأمن والسلام والعدالة في مُجتمعها، وإذا استطاعت تطوير نظام دستوري، حيث يكون فيه السيادة للقانون، حينها لا أدري كيف للمجتمع الدولي وضع السودان في القائمة، حيث إنّه تمّت إعادة هَذه اللائحة في العام ١٩٩٣.. وهُنالك عُدّة أشخاصٍ أتوا إلى رئاسة أمريكا ووعدوا بأنّهم سيخرجونها من تلك القائمة.. لذا حَانَ الوَقت، وهذا الحَدث التاريخي الذي نعيشه الآن (الثورة السودانية) هي الفُرصة المُناسبة لذلك. 

بالتالي تعتقد أنّ الوقت قد حان الآن؟ 

حان الوقت بأن تقول الولايات المتحدة وشركاؤها دعونا نُساعد السودان لينتصر، لأننا إذا لم نفعل ذلك نكون قد ضيّعنا هذه الفرصة، لأنه إذا لم يكن لديهم اقتصاد ولم يكن لديهم دعم المُجتمع الدولي، وإذا لم يجدوا الدعم من الخارج والداخل سيكون ذلك تدميراً، لأن السودان في وسط أفريقيا وإذا ساءت الأمور فيه سيهز ذلك أفريقيا من الخرطوم إلى كيب تاون (عاصمة جنوب أفريقيا) ومن حيبوتي إلى داكار(عاصمة السنغال).. لذا فالسودان في غاية الأهمية لأنه يربط الجنوب بالشمال، والقرن الأفريقي بالغرب، وأنه في وسط الإقليم.

….. يقاطع دعوني أكمل؟

هنالك عدة عوامل تجعلنا جميعاً مسؤولين من أن ننجح أي فرصة.. ولكن لأكون صَريحاً هي مسؤولية هؤلاء المسؤولين بأن يضعوا مصلحة السودان أولاً، وأن يتّخذوا القرارات التي تجعل السودان كما يجب أن يكون مُستقبلاً، مكاناً للأمن والسلام والرفاهية.

في قضية السلام مع الحركات المُسلّحة.. ما هي رؤيتك؟

القاعدة الأساسية هي أنّ السودان للسُّودانيين، ومن الضروري أن يتمتّع الجميع بحقوقٍ مُتساويةٍ للعيش في سلامٍ ومُساواةٍ.. وهنالك من تَعرّض للتهميش والظلم وعدم المُساواة.

هذا حَديثٌ نَظريٌّ ومَفهومٌ.. ما هي مُقترحاتك تحديداً؟

من الضروري أن يكون هنالك مؤتمرٌ جامعٌ، حيث إن الحكومات والقادة وأصحاب الرأي من المُسلمين وباقي المُعتقدات التي تَسكن في تلك المنطقة أن يقفوا معاً ويناقشوا مشاكلهم.. وأعتقد أنّ الحكومة يحب أن تقوم بمجهودٍ صادقٍ لمُعالجة بعض هذه المشاكل، وتحتاج مساعدة إضافية لبسط المزيد من الأمن حتى يتمكّن الناس من العودة الطوعية إلى مناطقهم، وقد تحتاج إلى المزيد من الجهد لمُساعدتهم حتى يندمجوا في المجتمعات والعيش خارج معسكرات النزوح.. فالآن لدينا جيلان، جيل من الأطفال لا يعروفون شيئاً عن تاريخهم، يحتاج هؤلاء الأطفال إلى المدارس والمرافق الطبية والمعونات الغذائية.

أنت تَطرح بَرنامج عمل اقتصادي واجتماعي بالتوازي مع المشروع السياسي؟

يجب أن يكون هنالك برنامجٌ قويٌّ تتم مُناقشته لمُعالجة هذه القضايا.

لكن ظلّت الحركات بدورها تتشدّد وتتعسّف في مواقفها؟ 

يجب على عناصر التّمرُّد والمليشيات أن يكون لديهم قرار ويستثمروا وقتهم.. ويجب عليهم الاندماج في القوات الرسمية، كما يجب تسريحهم وإعادة تدريبهم وتعليمهم لكسب الرزق.. لن تكون هنالك دولة بينما المتمردون يتجولون بحُريةٍ ويُمارسون أعمالاً خطيرة.. يجب إعطاؤهم فرصاً مُتساوية للنقاش والسماع لهم وبعدها إعطاؤهم فرصاً متساوية.. أما إذا أصروا على أن يكونوا أعداءً عندها تتم مُعاملتهم كالأعداء وتحمُّل نتائج ذلك، ويجب على الدولة أن تتحمّل مسؤولية مكافحة الإرهابيين، كما يجب أن تعمل على بسط الأمن ولن يتم ذلك ولن تكون هنالك إصلاحات اقتصادية ما لم يعم السلام في السودان، كما يجب أن تكون هنالك فُرص متساوية تمكِّن هؤلاء الناس من مُواصلة حياتهم.

حسناً.. ولكن ما الخيار إذا تَمَسّكوا بمواقفهم؟ 

يجب معرفة الأسباب التي دعتهم للقتال والعمل على مُعالجتها، ولكن إذا أصرُّوا على القتال، عندها عليهم تحمُّل النتائج.

ألا تعتقد أنّ هذه رؤية قد تُعقِّد الوضع؟ 

لَقَد كَانَ السودان ولمدة ثلاثة عُقُودٍ يُعاني فيه البعض من الظُّلم والتّهميش، يتقاتل فيها الناس للحصول على حَياةٍ أفضل.. يجب عليكم الاستماع إليهم.. عندها لن تستمر عناصر التّمَرُّد ولا المليشيات.. فالسودان يحتاج السلام للازدهار والأمان.

*بماذا تنصح الأحزاب في عملية الانتقال الحالية بالسودان وما يتعلق بالآخرين الذين كانوا جزءاً من الحكومة السابقة؟ 

إنه سؤال جيد… ولكنني لا يمكن إلا أن أقدم لك رأيي كشخص غريب. ولن أستطيع ان اقدم حكماً نهائياً فيما يجب أن تفعله الأطراف. ولكن سأحدثك عن شيئين. الأول ما شاهدته في العراق عندما تم حل الجيش وعزل موظفي الدولة. فقد كان الوضع صعباً، لأن هنالك عدداً كبيراً من المؤسسات فقدت قوتها. وأعتقد أنه من الواجب الحرص في تحديد من يتم عزلهم. إذا كان هنالك صفوة وتحتاج لمحاسبتها هذا أمر آخر، وليس لي مشكلة مع ذلك. ولكن إذا كانوا من المتخصصين والخدمة المدنية وتحتاج إليهم لضمان استمرار الخدمات واتخاذ قرارات جيدة إذن تحتاج للتفكير في هذا القرار. وكنت كذلك في يوغندا خلال عهد عيدي أمين في 1979. ولم أستطع أن أفهم في ذلك الوقت كيف سيتسامح الناس. وسمعت الناس يتحدثون عن أهمية التقدم للأمام.

ويجب أن ننسى ونتعلم من الماضي ونعفو عنه. وكل هذا الفهم للغفران كان ضرورياً. لأنه إذا لم تعفُ ستكون مقيداً بحزب المؤتمر الوطني، وذلك النظام. ولكن إذا قمت بقطع الهلب سيظل في مكانه، ولكن قاربك سيتحرك ويبحر. وإذا أردت أن تتقيد بميراث الماضي، إذن لا تعفو أو تتسامح. إذا أردت أن تتقدم لمستقبل زاهر، اقطع السلسلة واجعل قاربك يتحرك. وفي ظرف معين سيكون واجباً عليك أن تغفر. ولكن لا أقصد أن لا تحاسب الناس، ولكن هنالك أشياء تفرض عليك أن تتحرك للأمام. اختار الأشياء التي يمكنك أن تغفرها وتتقدم للأمام. وتمسك بقوة بالأشياء التي يمكنك أن تفعل بها ذلك، لأن هنالك أشياء يجب أن تخضع للمحاسبة كمواطنين يجمعنا عالم واحد وكبشر، ويجب أن نكون معرضين فيها للمحاسبة. ولكن هنالك أوقات يجب أن تغفر وتتقدم للأمام. وهنالك أوقاتً نتطلع فيها إلى المستقبل وتنسى الماضي حتى يمكن أن توفر البركة للناس الذين يعيشون حولنا.

Exit mobile version