محمد طلب يكتب: ماذا عن الأغاني الوطنية؟؟

محمد طلب يكتب: ماذا عن الأغاني الوطنية؟؟

لدي اعتقاد كبير أن ما يُعرف عندنا بالأغنية الوطنية ساهم بقدر كبير فيما يمكن أن أطلق عليه (اضطراب الوجدان السوداني)، وقد تناولت شيئاً من هذا الجانب أيضاً في مقالات سابقة عما يُعرِّفه الإعلام (بالأغاني العاطفية).. رغم عدم تخصصي إلا أن مقالاتي حول الأغنية السودانية قد أخذت حيزاً كبيراً، واعتبر كل ذلك مجرد فتح أبواب لأهل التخصص ليقتلوا الأمر بحثاً فقد كتبت تقريباً عشر مقالات مثلاً في أغنية واحدة فقط وهي (ست البيت)، ولعل السبب أنها أغنية (متفرِّدة) في موضوعها غير المطروق في خارطة الأغنية السودانية.

هذه الأيام أجنّد نفسي للكتابة عما يعرف بـ(الأغنية الوطنية) وكثيراً ما تخدمك الظروف في انجاز شئ ما، بالأمس مررت على قناة النيل الأزرق فشاهدت واستمعت لأغنية أعجبتني كثيراً رغم بساطة الكلمات وقلتها إلا أنها مع جمال اللحن اختصرت جملة من القضايا المهمة والقيم الراقية غير المرتبطة بالحكومات أو الايدولوجيات التي تسندها، فقررت أن أعلق عليها وأن تكون فاتحة خير للقادم من مقالات حول ما يسمونه (أغنية وطنية) وأحسب أنها أغنية متفرِّدة أيضاً.

الموصلي فنان وموسيقار رائع ويمتلك من المؤهلات ما يجعل أعماله مدروسةً بفهم عميق يجعلها تجد قبولاً كبيراً عند الجمهور.

بالأمس وأنا استمع إلى أغنية (سودانا نادانا) وكأني استمع لها للمرة الأولى، فقد استمعت لها بأذنٍ صاغية غير التي كانت أسمع بها من قبل فوجدت أن هذا العمل في قمة الروعة وقد احتوى واختصر كثيراً من الشعارات والهتافات والمؤتمرات التي تم الصرف عليها ببذخ رغم أنها قيم موجودة في ثقافة (الوجدان المضطرب)، وما قاله الموصلي في أغنية قصيرة أخذ من الحكومة السابقة وقتاً طويلاً ومالاً كثيراً وإعلاماً وهيلمانة كبيرة بلا فائدة أو مردود نافع، مع أن هذه الأغنية موجودة قبل وجودهم (الإسلامي).

فوجدتهم وكأنهم أخذوا هذه الأغنية وقسموها إلى (شعارات) وأقاموا لكل (شعار) مؤتمراً وصرفوا عليه ما صرفوا ببذخ وحشدوا له ما حشدوا من الرجرجة والدهماء والتُبع بوعي أو بدونه وإليكم تلك الشعارات ومن بعدها كلمات الأغنية والتحية للفنان الجميل الموصلي أينما كان وهو صاحب فلسفة في الأغنية ويعتبر أنه يمكن بناء أغنية من كلمات قليلة وبناء موسيقي معقول….. فتعالوا معي إلى تلك الشعارات التي خلقوها رغم وجودها بـ(وجدان مضطرب):

ناكل مما نزرع

نلبس مما نصنع

البكور

جيش واحد شعب واحد

السلام و(نيفاشاهو)

(الحركات المسلحة) أو (المصلحة)

كل هذه الشعارات كانت تلقائية في أغنية الموصلي التي سوف نختم بها هذا المقال.

حقاً كانت كلمات في منتهى الروعة والبساطة ومعبرة بدرجة كبيرة واللحن الجميل أظن الموصلي اقتبس له البناء مما يسمى بـ(أغاني البنات) واللحن لأغنية شائعة كان مطلعها يقول (حمادة الكان معانا يا ناس أريتو كان جانا يا ناس) أو شئ من هذا القبيل إلا أن الفنان الموسيقار الموصلي حذف كلماتها من اللحن وأتى بهذه الكلمات البسيطة المعبرة الداعية للخير والجمال والإنتاج ونبذ الاحتراب، وهنا تكمن عبقرية الموصلي ولو كنت مسؤولاً عن التعليم في البلاد لجعلتها افتتاحية لليوم الدراسي مع نشيد العلم في جميع مدارس الأساس لتعزيز التربية الوطنية لدى النشء وليس مثلما فعل (الإسلاميون) وأيدولوجيات (لا يروعنا الفناء) ودعوات (الموت) التي زادت بقوة في زعزعة (الوجدان السوداني) واضطرابه عند الناشئة فخرج لنا هذا الجيل الذي نراه الآن والذي خرج عليهم في نهاية الأمر وإلى هذه اللحظة لم يستطع ضبط حركته وإنجاز ثورته واستقرارها نتيجة هذا (الوجدان المضطرب) والمتجه (لموسيقى الراب) كما شاهدنا، وهذا ما سوف نعود له في المقالات القادمة، وأترككم الآن مع كلمات الأغنية متمنياً استحضار اللحن البسيط الجميل الذي سوف تجدونه معكم يتسرب إلى ما بين السطور تلقائياً أثناء اطلاعكم على النص:

بلدنا نعلي شأنا يا ناس

كلمات وألحان الموصلي

بلدنا نعلـي شأنا يا ناس سودانا نادانا

في الفجرية زارع بيزرع في المزارع

أريد زراع بلدنا ونور الشمس ساطع

في الفجرية صانع بيصنع في المصانع

أريد عمال بلدنا وصوت المكنة طالع

يا الحارسين حمانا.. بــعزة وأمانة

أريتو يسيل عرقنا.. بدل ما تسيل دمانا

نحلك يا قضــية.. بدون صوت بندقية

أخوي خليك معاي.. أخوي ما تكون عليّ

لا شك عندي إطلاقاً الآن عزيزي القارئ أنك الآن قد أدركت القيمة العالية لهذا النص البسيط راقي المعاني والمضامين…

لا أدري ماذا أعدوا لـ(أغاني وأغاني) في هذا الموسم لكن ورغم كل هذه السنوات إلا ان البرنامج لم يصل بنا إلى ما نطرحه ونعشم فيه ونعتقد أنه يفترض أن يكون اتجاه البرنامج، وسبق أن راسلت المرحوم السر قدور أن يتناول الغناء الذي تناولته ثورة الشباب وأغانيهم وأهزوجاتهم أيام الثورة وموسيقى (الراب) وأن تتغيير الوجوه المألوفة ويحل محلها مشاهير (الراب) في السودان الذين عطروا سماء السودان بأهازيج و(غناء مختلف) جداً عما عرفناه، لكن شاءت الأقدار ألا يحدث ذلك فمرض وانتقل إلى الرفيق الأعلى، رحمه الله رحمة واسعة..

سلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى