في الحرَكات والبرَكات..!

“الدراما هي الحياة بعد إزالة الأحداث المملة”.. ألفريد هتشكوك..!

 

 

(1)

 

زوجة سودانية بالغة، عاقلة، مكلفة، لكنها مدللة، ضاقت ذرعاً بالدلال فيممت وجهها شطر مولانا القاضي تطلب فراقاً عاجلاً من زوجها الذي كان يصر على توفير جميع وسائل الراحة في بيت الزوجية، من خدم وحشم وخلافه، بما في ذلك طباخ ملوكي مستعد لتلبية كل الطلبات وتغطية جميع المناسبات والمآتم والأفراح. كان الرجل يحبها إلى درجة الحرص على أن يجنبها ويلات الطبخ وشقاوة النفخ ومقابلة النيران، كي تتفرغ لنقش الحناء، والمنكير، والبوديكير .. والذي منه .. لكن الزوجة الغاضبة كانت من النوع “الفقري” الذي يطيب له تقطيع البصل ويلذ له تسبيك الحلل، ويا سلام لو امتلأ الفستان بزيت الدمعة ونكهة الثوم، لمزيد من الشعور بالمتعة. فما كان منها ـ والحال كذلك ـ إلا أن طلبت الطلاق للضرر “المتمثل في كثرة الراحة واستشراء الدلال”. بحسب الصحف التي أوردت الخبر، حاول القاضي جاهداً أن يثني الزوجة المستغنية عن عزمها وأن يقنع الزوج بضرورة طرد الطباخ فوراً والبدء في إصدار الأوامر لزوجته بتزبيط المفروكة وعواسة الكسرة، حتى يكتسب ثقتها ـ شيئاً فشيئاً ـ فتقتنع بمقدراته المتجددة “التنكيد” عليها – ومن ثم – إسعادها ..!

 

(2)

 

كنا نقف في مواجهة بعض أصناف الطعام البلدي ضمن بوفيه دعوة غداء منزلية، عندما أربكنا طبق كبير مليء بلفائف الكسرة المرصوصة بعناية على شكل هرم وبجانبه إناء ضخم مليء بملاح أم رقيقة ساخن، تتكئ على حافته مغرفة أنيقة غاطسة حتى خصرها في السائل الأخضر الرقراق. أخذَتْ كل واحدة منَّا “لفة” من تلك “الطرقات” الملفوفة كمناشف الطائرات ثم أغرقتها “بكمشة” من الملاح اللايوق. نظرتُ إلى صحني في حيرة “الملاح يتسرَّب من مسام الكسرة ويشق طريقه عبر فراغات الصحن في بطء واثق، والأصناف الأخرى تبدو كأرخبيل الجزر التي صار الملاح يحدها من جميع الجهات”. على كلٍّ: أكلنا الكسرة والملاح بالملاعق ولسان حالنا “يعَمينا”!. إذا كان من الصعوبة بمكان تطبيق بعض البروتوكولات المستوردة لتعارضها وبعض التقاليد فالأفضل أن نترك التفاصيل كما هي، لا أن نحولها إلى مسخ ثقافي، أو”كسرة بملاح” في صحن كوكتيل ..!

(3)

كان كل ما تنشده سهام هو أن يدعها الآخرون بسلام، و أن تنجو بنفسها من جحيم لقب “عانس”، وقد نجحت بفضل إصرارها على تحقيق حلمها بتكوين أسرة. وها هي اليوم زوجة وأم تقليدية، ذائبة في عجينة النساء غير المغضوب عليهن، وهي ولا تحمل لقباً اجتماعياً مخجلاً من أي نوع. بعد مرور سنتين على زواجهما، وبعد أن

تحقق لها كل ما أرادت، جلست سهام تهدهد صغيرها مازن وهي تتأمل طويلاً وملياً في ملامح زوجها هاشم، الذي كان يجلس أمام التلفاز، وهو يحدق بجحوظ في كرة المطاط التي كانت تتنقل خطفاً بين أقدام اللاعبين. وبينما كانت ملامح هاشم تنقبض وتنبسط وتتلون على نحو مضحك – بذلك التعبير الأقرب إلى البلاهة والذي يرتسم على وجوه الرجال عادة في أثناء متابعة مباريات كرة القدم – ظلت سهام صامتة، وهي تفكر لأول مرة، في الثمن الكبير ـ والباهظ جداً ـ لفكرة الزواج من أجل الزواج ..!

منى أبو زيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى