Site icon صحيفة الصيحة

صلاح الدين عووضة يكتب: جرنلجي!

صلاح الدين عووصة

صلاح الدين عووضة

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

جرنلجي!

وأبوك عارف؟..

هكذا سألني… ونظرات استنكار بعينيه… ولم أرد عليه..

فهو سؤالٌ لا معنى له..

فالجرنلجي – أو الصحفي – صاحب مهنة مثل بقية المهن..

وهو ذاته – السائل هذا – كان معلماً..

فهل يمكن أن أسأله لماذا صار مدرساً؟… أو إن كان أبوه يعرف؟..

ثم إنه سؤال غبي كذلك..

فمن الطبيعي أن يكون والدي عارفاً بمهنتي..

تماماً كما يعرف أن سائلي هذا كان شيوعياً؛ قبل أن يضحى إسلامياً..

كان شيوعياً أيام عمله مدرّساً بكريمة..

وفي كريمة هذه نشأت علاقة معرفة بينهما؛ حيث كان الوالد نفسه هناك..

إنه ياسين عمر الإمام..

وفضلاً عن مهنته السابقة هذه – كمعلم – فقد كان هو ذاته جرنلجياً..

بل وكان رئيس مجلس إدارة صحيفة رأي الشعب..

فكان من باب أولى – إذن – أن يوجه سؤاله هذا لنفسه..

وسؤاله هذا لي كان بصالون الترابي؛ إذ كنت بصدد إجراء حوارٍ معه..

ولكن صاحب الصالون لم يوافقه على رأيه هذا..

بل كان يحترم الجرانين – والجرنلجية – جداً..

كما كان يحترم كل من ينضم إلى صالونه هذا من أهل الفكر الماركسي..

وقد انضم إليه – بخلاف ياسين – كثُرٌ..

انضم إليه أحمد سليمان… وعبد الباسط سبدرات… وأمين حسن عمر..

وكان ذلك في سياق (موسم الهجرة إلى اليمين)..

هجرة من أقصى اليسار لأقصى اليمين؛ ولكن ما من هجرة عكسية أبداً..

لم نر يمينياً أصبح يسارياً..

وأنيس منصور اختار الجرانين بكامل قواه العقلية..

ثم اختار امرأة اسمها رجاء منصور ليتزوجها بكامل (لا) قواه العقلية..

فهكذا يقول هو نفسه عن لحظة الشروع في الزواج..

فعارض عبد الناصر هذا الزواج بشدة؛ فخالها من جماعة الضباط الأحرار..

وصاح فيه (إزاي تجوز بنت أختك لواحد جرنلجي؟)..

وجدتنا روضة ساتي كانت تسمي الصحف جرانين؛ لماذا؟… لست أدري..

تقول لنا (هات جرنال يا ولد)..

وذات يوم سألتها (وما هي الجرانين هذه؟)؛ فأجابت (اللي بلفوا بيها الحاجات)..

بمعنى أن هذا كان فهمها للصحف..

فقط تُلف بها – وفيها – الحاجات… والأشياء؛ أي حاجة… وأي شيء..

جرجير… طعمية… تسالي؛ أي حاجة..

وهو لا يختلف عن فهم ياسين – وناصر – لها؛ إلا شكلياً..

المهم إنني كنت سعيداً كوني جرنلجياً..

وما كنت أرى من مهنة في الدنيا أشد إمتاعاً من مهنة الصحافة..

فهي تحقق لك شهرةً… ومالاً… وتجوالاً..

شريطة أن تنجح فيها؛ وتصنع اسماً – جرنلجياً – يُشار إليه بالبنان..

أما الآن فقد سئمتها..

كما سئم زهير بن أبي سلمى تكاليف الحياة..

وسبب سأمي ليس طول العمر – كزهير هذا – وإنما دنو أجل عمرها هي..

فهي الآن تحتضر… والدولة تنظر إليها..

تكتفي بالنظر فقط؛ رغم أن بمقدورها إنقاذها من قدرها المحتوم هذا..

فمجلس الصحافة ينظر… ووزارة الإعلام تنظر..

ومن ورائهما تنظر رئاسة الدولة..

رغم أن قراراً حكومياً واحداً كفيلٌ بضح دماء الحياة في شرايينها المتيبسة..

ويتمثل في إعفائها من رسوم مدخلات الإنتاج..

وذلك أسوة بما تفعله كثيرٌ من دول العالم لإيمانها بأهمية الجرانين..

فقد ضاق عليها حالها الخاص بضيق الحال العام..

وأمسى لسان حال الجرنلجي يردد عبارة (مهنة بقت ما جايبة همها)..

وعما قليل ربما تنقرض الجرانين في بلادي..

ولن يجد حتى من ينظر إليها مثل نظرة جدتي تلك ما يلف به حاجياته..

ولن يجد فيها المشتغل بها ما يوفر له حاجاته..

وعن نفسي فقد تفارقني – قريباً – تلك التسمية التي استنكرها ياسين..

جرنلجي!.

سبق نشره

Exit mobile version