صلاح الدين عووضة يكتب: وتم تدويره!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

وتم تدويره!

لا تدوير نفايات..

ولا تدوير وجوه في مواقع السُّلطة كما كان يفعل نظام الإنقاذ..

ولا تدوير لاعبين كما في كرة القدم..

ولا تدوير العُملات غير القانونيّة كما يفعل غاسلو الأموال..

وإنّما التدوير المعني هنا يخص بابور الجاز..

وكان ذلك في زمانٍ بعيد؛ حين كُنت أدور مع صبية الحي حيث يدورون..

وهم لا يدورون إلا حول ما يعجبهم؛ أو مَن يعجبهم..

وكان يعجبهم ذاك الفتى الأسمر الذي كان هو نفسه يدور حيث تدور البوابير..

أو ما كان يعجبهم منه هو غناؤه..

وما كان يُردِّد سوى أغنية واحدة كانت رائجة في ذياك الزمان..

وهي التي يقول مطلعها:

دوِّر بي البلد ده… واحرق الجازولين يا البابور جاز..

وقديماً قال الشاعر الأحوص:

أدور ولــولا أن أرى أم جعفرٍ…. بأبيـاتكم ما درت حيـث أدورُ

أزور البيوت اللاصقات ببيته… وقلبي إلى البيت الذي لا أزورُ

وما كنت زوَّاراً ولكن ذا الهوى… إن لم يُـزر لا بد أن سـيزورُ

وأنا ما كنت زوّاراً لذاك المكان حيث الفتى..

ولكن بما أنه ما كان يزور أبياتنا فقد أُضطررت إلى زيارته مع زائريه..

كان يدور حول البصات – واللواري – ويغني:

دوِّر بي البلد ده… واحرق الجازولين يا البابور جاز

ورغم أنه ما كان يصدح بسوى هذا المقطع إلا أن صوته أعجبنا جداً..

وكذلك طريقة دورانه حول نفسه – والبصات – وهو يغني..

وما كان أحدٌ يعلم من أين أتى… ومن هُم أهله… وإلى أين يذهب عقب الدوران..

ولكنه بدا وكأنه وُجد من العدم في ذاك المكان..

وهو الساحة التي تتجمّع فيها الشاحنات السفرية… عند سوق البلدة العتيق..

وذات نهار ذهبنا لندور حيث يدور..

فشهدنا هرجاً ومرجاً… ونفراً من أهل المكان… وبعضاً من رجال الشرطة..

ثم ما لبثنا أن سمعنا الخبر الحزين..

فقد دار به إطار لوري عندما دار ليدفع به مع بقية الإطارات نحو أم درمان..

دار به في مكانه… وفي المكان ذاته..

وذلك بدلاً من أن يدور به إلى حيث أراد… وهو يحرق جازولينه..

ولعله كان يغني وقتذاك:

دوِّر بي البلد ده… واحرق الجازولين يا البابور جاز

والآن حين تدور ذاكرتي لتستدعي تلك الذكرى يغمرني إحساس لئيم..

أو بالأحرى إحساسٌ كريم..

أن تدور إطارات ذاك الذي يحرق الجازولين بمدمني سياسة اللف والدوران..

أو اللف والدوران في السياسة..

هل منكم من يعرف من أين أتى كثيرٌ ممن اختطفوا ثورة ديسمبر ببلادنا؟..

أو يحاولون اختطافها؛ ما زالوا؟..

ثم أدمنوا الدوران حول كراسي السلطة؟..

وذلك بعد أن دارت رؤوسهم بفعل سكرة خمرتها؟..

إنّهم مثل فتى بلدتنا الأسمر ذاك الذي ما كان يعرف أحدٌ من أين أتى..

وما سر دورانه حول البوابير السفرية..

وما سبب دوران إطار أحدها به وهو يغني أغنيته الأثيره: دوِّر بي..

فتم تدويره!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى