سراج الدين مصطفى يكتب: على طريقة الرسم بالكلمات!!

 

 

(1)

فرقة عقد الجلاد أصبحت جزءا من الوجدان الشعبي.. ذاك الوجدان الشعبي الذي يبحث عن التغيير والتجديد في زمن الثوابت.. لأن المناظر هي ذاتها.. الصور نفس المشاهد.. وذات صوت الأسطوانة القديم.. يردد ذات التعابير وذات التفاصيل ونفس الكلمات.. لهذا تظل فرقة عقد الجلاد هي واحدة من أدوات التغيير.. ولا غرابة أن يكون ذلك عبر أغنيات الفرقة الباحثة عن وطن يشبه مدينة أفلاطون الفاضلة.. وحلم البحث عن مدينة فاضلة هو نوع من الاشتراك في البحث مع الفرقة .. وأجمل ما في هذه الفرقة كونها ما زالت سودانية وذات وجدان سوداني جداً وهي بذلك استطاعت ملامسة هذا الوجدان والدواخل.. وعقد الجلاد ليس تمرداً على الشكل الدائري الذي ساد الأغنية السودانية متعددة الطعم واللون والرائحة، ومحاولة لإخراج السلم الخماسي وتهجينه وإثرائه بالمعاصر من علوم وفنون الغناء وذلك هو سر هذا الخلود.

(2)

التجاني حاج موسى.. شاعر وسيم المفردة وعميق العبارة.. كتب أجزل الأغنيات التي لونت وجداننا السماعي.. التجاني حاج موسى اسمٌ فرض نفسه في الحراك الثقافي من خلال الكتابة الشعرية ومن خلال إدارته للمصنفات الأدبية التي أرسى الرجل دعائمها الأولى.. ومن خلال الكثير من الإبداعات التي لون بها سماء الوجدان السوداني.. مما لا شك فيه أن الشاعر التجاني حاج موسى اسمٌ كبيرٌ في عالم الإبداع السوداني.. وهو واحد من الذين عطروا ولونوا وجداننا السماعي بأغنياته البديعة .. والتجاني حاج موسى شاعرٌ بالفعل يستحق التوقف عند تجربته الطويلة مع كتابة الشعر الغنائي أو حتى تجربته العملية العريضة والثرة من خلال تأسيسه لمجال الملكية الفكرية في السودان.. الإبداع الكتابي الشعري لدى التجاني حاج موسى وصل ذروته في  قصيدته الفارعة (دار السلام) التي تغنى بها الفنان الجميل كمال ترباس.. وهي أول تعاون إبداعي بينهما في مسيرة العطاء الإبداعي والإنساني.. وأغنية (دار السلام) صارت منشوراً للمحبة والسلام.. كما أنها أصبحت وثيقة ممهورة لبر الوالدين.. والتجاني حاج موسى يتجلى ويتسامى حينما يقول:

يا يمة الله يسلمك ويديك

لي طول العمر في الدنيا يوم ما يألمك.

أمي يا دار السلام.. يا حصني لو جار الزمان

إلى آخر القصيدة المشهورة التي تغنى بها الفنان كمال ترباس كأول عمل بينه وبين الشاعر التجاني حاج موسى وتواصلت الأعمال بينهما في عدد من القصائد مثل: أنت فايق ورايق وأنا بالي مشغول.. جاي تفتش الماضي وغيرها من الأغاني التي تغنى بها الراحل زيدان والنور الجيلاني وأبو عركي ومحمود عبد العزيز وغيرها من الإبداعات التي نثرها عبر التاريخ.

(3)

عبر التاريخ الغنائي السوداني عرف الأستاذ الصحفي الراحل (ميرغني البكري) والذي كان يلقب بشيخ النقاد بأنه عاصر معظم التاريخ الغنائي السوداني.. وهو شهد معظم أحداثه تقريباً ويحفظ كل معلوماته وأسراره الخافية وغير المدركة.. كما أن أستاذنا الجميل كان سبباً في اكتشاف مواهب غنائية عديدة ساهم بقلمه في دفعها لتكون أسماءً ذات حضور في الغناء السوداني.. وهذا ما جعله بمقام المكتشف الذي يلمح قدرات الفنان بعين لمّاحة وبصيرة نافذة وعميقة.

وفي ذلك الزمان حينما يقف أستاذ بقامة ميرغني البكري بجانب فنان جديد.. فذلك يعني الكثير.. لذلك اعتبره واحداً من الخبراء في مجال الغناء والموسيقى.. ولعل أستاذنا الراحل البكري في ذلك يفوق بعض من يحملون شهادات رفيعة في الموسيقى وعلومها.. ولعل خبراته المتراكمة تتيح له مشاهدة الواقع الفني بعدة زوايا جديدة ومختلفة وغير متوفرة لغيره باعتباره عايش وعاصر معظم نجوم الوسط الفني منذ بداياتهم وهو شاهد عصر حقيقي على ميلاد كثير من مبدعينا الذين أثروا وجدان الشعب السوداني.. له الرحمة والمغفرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى