شاكر رابح يكتب : أفول نجم الأحزاب السياسيّة

17 فبراير 2023
حراك سياسي وتنظيمي يشهده حزب الأمة القومي، بعد أن أصدر الأمين العام للحزب الواثق البرير، منشورا تنظيميا مخالفا لدستور الحزب، وقد أثار جدلاً كثيفاً وسط عضوية الحزب بشكل خاص والمهتمين بالشأن السياسي بشكل عام، وقد رشح في الاخبار أن الاجتماع الذي عقده رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر مع رؤساء الحزب بالإقليم والذي تمخض عنه إلغاء المنشور التنظيمي وتشكيل لجنة قانونية ولجان أخرى تحضيرية لقيام ورشة تناقش إصلاح أمر الحزب وتفعيل مؤسسات غائبة لفترة طويلة من الحِراك السياسي والتنظيم مثل الهيئة المركزية، الحِراك الذي شهده حزب الأمة القومي مؤخراً يجب أن يُتّخذ كنموذج لباقي الأحزاب التي شاخت وهرمت وأصبحت أحزاباً تقليدية نخبوية فوقية ضعيفة، هذا يقودنا إلى طرح تساؤلات عدة، منها هل انتهى عصر الأحزاب التقليدية في السودان؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن ندرك أن الأحزاب السياسية السودانية عقب ثورة ديسمبر المجيدة تُواجه معادلة صعبة وسط صعود تيارات شبابية غير ملتزمة حزبياً، إضافةً إلى عدم تحقيق الثورة لاهدافها المعلنة سواء في تحقيق الأمن أو الرفاهية أو السلام، إضافةً إلى صدمة تدهور الاقتصاد، مما تسبب ذلك بأفول نجم أحزاب كانت تتسيد الساحة السياسية طيلة الفترة الانتقالية.
حزب الامة القومي واحد من الأحزاب الكبيرة والذي شكل مع غريمه التقليدي الوطني الاتحادي اللذين كانا وراء استقلال السودان من الاستعمار البريطاني، لكنهما لم يحسنا إدارة الحكم منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، مِمّا أثّر في شعبيتها وأدى إلى تصدعها وتشققها، مما أعطت المبرر للعسكر للانقضاض على السلطة أكثر من مرة، والعمل على تقسيمها بين أحزاب موالية إلى أخرى معارضة حتى اندلاع ثورة ديسمبر في العام ٢٠١٩، وقد انفتحت شهية الأحزاب التقليدية وعملت على الوصول للسلطة، وفي الواقع تعيش حالة من الضعف والوهن، وأصبح من الملاحظ أن هناك عدم يقين وحالة نفور وعدم رضاء شعبي وعدم يقين من قُدرة هذه الأحزاب في تجاوز مشاكلها الداخلية، لا سيّما في ظل الصراعات التي تشهدها أحزاب البعث والمؤتمر السوداني والاتحادي الديمقراطي، ومن ثم قدرتها لقيادة البلاد لتجاوز محنتها وأزمتها الراهنة.
في تقديري، إنّ الأحزاب التقليدية انتهى دورها وكتبت نهايتها بنفسها، والشعب السوداني لم يعد يثق بها، خصوصاً انها فقدت قواعدها وعضويتها ولم يعد بإمكانها تحريك مظاهرة واحدة، فلذلك من الأجدى أن يتم تقويم وتقييم تجربة الأحزاب بإصدار قانون ينظم عملها ويوضح مصادرها وبرامجها، في ذلك الحين يمكن أن تبدأ إعادة الثقة من جديد.
بالرغم من الواقع السياسي والاقتصادي والأمني المأزوم الذي سببته هذه الأحزاب، يظل هناك سؤال مهم إلى أي مدىً يمكن أن نتخيل شكل المشهد السياسي بدون أحزاب سياسية؟ من المؤكد يستبعد ذلك لأن وجود أحزاب سياسية قوية مهما يتحتم حضورها لتسهيل عملية التداول السلمي للسلطة، ولا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية، والأشهر المقبلة ستختبر قدرة هذه الأحزاب على الاستمرارية رغم الصراعات والانقسامات الداخلية وتصاعد الرفض الشعبي.
أعتقد أن الشعبي السوداني ليس بحاجه الى أحزاب تحمل رؤى أيديولوجية أو نظريات قومية وفلسفية، إنما في حاجه إلى أحزاب سياسية تتبنى قضاياه الحياتية والمعيشية والأمنية، وتجتهد في الرقابة على الحكومات ومحاسبتها، لا شك أن واقعنا السياسي في حاجه مُلحّة لتوافق سياسي شامل، وتقارب بين قوى الثورة والكيانات السياسية الأخرى المُناهضة لها للمضي في عملية التحول الديمقراطي، وصولاً للانتخابات واستكمال عملية استعادة الدولة.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى