الوثيقة الدستورية لا تمثّل أهل السودان

إن المجلس العسكري الانتقالي، هي الجهة القائمة الآن على حكم السودان، وشعب السودان شعب عظيم له مكانته بين شعوب العالم، هو شعب مسلم بنسبة (98%)، وهو شعب عربي إفريقي، شعب كريم يعيش في أرض طيبة هي الأرض التي يشقها النيل العظيم، أخذ هذا الشعب من جميل الصفات وكريم السجايا وتميز بمميزات جعلت الشعوب القريبة والبعيدة تثني عليه، وتحبه وتحترمه، هذا الشعب مسلم، يحب الدين والخير، يبغض النفاق وسيِّئ الأخلاق، يتسم بالوضوح والصراحة، يكرم الضيف ولو بالقرض.

هذا الشعب الكريم تمر بلاده في هذه الأيام بمنعطفات حرجة ويواجه تحديات كبيرة، وكتب عليه أن يكون في حكمه في هذه الفترة المجلس العسكري الانتقالي، وهذا المجلس يجب على أعضائه أن لا يغفلوا أنهم تحملوا مسؤولية عظيمة، كان الله في عونهم ويسّر لهم أسباب التوفيق والسداد، وإن مما يجب أن يعيه الجميع في هذه المرحلة أن من أوجب واجبات هذا المجلس تجاه بلدهم المسلم وأهله في هذه الفترة وهي ما يعرف بــ (واجبات الراعي) أو (حقوق الرعية) وقد دونت في كتب (الأحكام السلطانية) في تراث المسلمين الذي يفخرون به وهم على يقين أن عزهم في الدنيا والآخرة باتباعه.

وقد تفاجأ الناس في هذا البلد المسلم العظيم بالوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية التي وقّع عليها قبل أيام المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، فقد تفاجأوا بوثيقة لم تراعِ حال دولتهم ودينها ووصفها وعقيدتها ومنهاجها، فقد قرأوا في الفصل الأول في طبيعة الدولة: (جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة ديمقراطية برلمانية تعددية لا مركزية تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الثقافة أو الجنس ….).

لم يرد في وصف طبيعة الدولة بأن السودان دولة مسلمة، وأنها تعمل بالتشريع الإسلامي، وبحثوا في الوثيقة فلم يجدوا اسم (الإسلام) الذي هو دين أهل السودان، ولم يجدوا شيئاً يفيد بأن هذه الوثيقة الدستورية وضعت لمسلمين !!!

وبدأ النقّاد ينقدون هذه الوثيقة، ويبدو أنها ستحظى بنقد كثير في الأيام القادمة، وعلى الجهتين اللتين أعدتا ووقعتا على الوثيقة العناية والاهتمام بما يكتب في التعليق والنقد لهذه الوثيقة، ولطالما أنها يجب أن تمثّل أهل السودان فليسمع المجلس العسكري والحرية والتغيير رأي أهل السودان في وثيقتهم.

ولي نقد دوّنته سأضعه في مقال مفصّل بمشيئة الله تعالى. وحتى ذلك الحين أذكّر المتفاوضين باسم أهل السودان أن من يحكم المسلمين وهم غالبية أهل السودان يجب عليه أن يقوم بأداء واجبات الحاكم المسلم الذي يحكم المسلمين ومن أهم واجبات من يحكم أهل السودان ما يلي :

الأول: حماية بيضة الإسلام والذب عنها، فيقوم بدفع المحاربين والباغين وتدبير الجيوش وتجنيد الجنود وتحصين الثغور بالعدة (المانعة)، والعدة (الدافعة)، وترتيب الأجناد في الجهات على (حسب الحاجات) وتقدير إقطاعهم، وأرزاقهم، وصلاح أحوالهم، وبذل كل السبل لحماية الرعية والدفاع عنهم. ويوضح عِظَم المسؤولية في هذا الجانب المهم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة) رواه أبو نعيم في الحلية وهو حسن لغيره، وعلى مثل هذا يجب أن يقاس!!

الثاني: حفظ الدين على أصوله المقررة وقواعده المحررة، والسعي للالتزام بأركان الإيمان والإسلام، ورد البدع والمبتدعين، وإيضاح حجج الدين، ونشر العلوم الشرعية، وتعظيم العلم وأهله، ورفع مناره ومحله، ومخالطة العلماء الأعلام، (النصحاء) لدين الإسلام ومشاورتهم في موارد الأحكام، ومصادر النقض والإبرام.

الثالث: إقامة شعائر الإسلام كفروض الصلوات والجمع والجماعات والأذان والإقامة، والخطابة، ومنه النظر في أمر الصيام والفطر وأهلته، وحج البيت الحرام وعمرته. ومنه : الاعتناء بالأعياد وتيسير الحجيج من نواحي البلاد، وإصلاح طرقها وأمنها في مسيرهم وانتخاب من ينظر أمورهم.

الرابع: فصل القضايا والأحكام بتقليد الولاة والحكام لقطع المنازعات بين الخصوم، و(كف المظالم عن المظلوم)، ولا يُولّى ذلك إلا من يثق بديانته وصيانته من العلماء و(الصلحاء) .

الخامس: إقامة الحدود الشرعية على الشروط المرعية، صيانة لمحارم الله عن التجرؤ عليها، ولحقوق العباد عن التخطي إليها و(يسوس في الحدود بين القوي والضعيف والوضيع والشريف).

السادس: النظر في أوقاف البر والقربات وصرفها فيما هي له من الجهات وتسهيل سبل الخيرات.

السابع: العدل في سلطانه وسلوك موارده في جميع شأنه، قال – تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان). وقال تعالي: (وإذا قلتم فاعدلوا).

وقد ذكر هذه الحقوق وغيرها ابن جماعة الكناني وغيره من العلماء.

وبالجملة: فإن على الحاكم الحفاظ على الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها وهي: (الدين والنفس والعقل والعرض والمال)، وإن مسؤولية المحافظة على الدين والأنفس والدماء والأعراض والأموال مسؤولية عظيمة يجب على الحاكم بذل كل الجهود في سبيل المحافظة عليها.

وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى