حامد نحوله يكتب: ماذا وراء الزيارات السرّية بين إسرائيل وبعض المسؤولين بالسودان؟

حامد نحوله يكتب: ماذا وراء الزيارات السرّية بين إسرائيل وبعض المسؤولين بالسودان؟

لعدّة أسباب، أخذت الزيارات السرّية بين إسرائيل وبعض من المسؤولين بالبلاد تتطوّر بعيداً عن الأضواء. وفيما لا تبدِ إسرائيل خجلاً حيال هذه الزيارات الجزئية، أمّلَت بعض المسؤولين أن تُبقي تقاربها من إسرائيل طيّ الكتمان لأسباب غير بديهية متعلّقة بالتطبيع دون مشاركة الشعب السوداني فيه. غير أنّ التحرّك الذي قام به وزير الخارجية الإسرائيلي الغير العلني بالأمس قد انكشف الستار عن هذه الزيارة، وأشار إلى بروز زخمٍ محتمل نحو الزيارة المفاجئة الغير رسمية للمرّة الأولى.

فبعد الزيارة الغير الرسمية التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي إلى السودان في اليومين الماضين، وهي المرّة الأولى التي يزور فيها رئيس دولة إسرائيلي السودان، لم تفصح عن النوايا بالمضيّ قدماً من خلال الأجندة مع بعض المسؤولين السودان وقد أفادت الصحافة الإسرائيلية عن الزيارة وهدفها منح العلاقات مع السودان طابعاً رسمياً قبل تكوين الحكومة المقبلة.

ومع أنّ ذلك الموضوع مستبعد على الأرجح ولا يمكن فصله عن عمليات تموضع سياسي داخل السودان، الراهن معرفة الأسباب التي لا تؤدّي بالطرفَين إلى التوافق. إذ يفاقم الاضطراب والتشكيك في الشارع الشديد حدّةَ التوترات التيتحدثداخلالسودان، ولا سيّما مع خصوم السياسين. يفتقر هذا التصرف إلى إطار عمل مستقبل البلاد من ضمانات لاستمرار البلاد والعباد خلق  فراغاً عن عدم الثقة من قاموا بهذا التصرف الفردي. بالتالي، يعكس عدم التزام الحكومة المستقبلية بانفتاح السوداني المستقبلي على إسرائيل.

لذلك، يجدر التفكير في طبيعة هذه الزيارة وقيمتها بالنسبة إلى كل من الطرفين والمخاطر المحتملة التي تتمخّض عنها، ولا سيّما بالنسبة إلى لعدم رضي الشعب السوداني لها.

معادلة جديدة فاشلة

لن يؤدّي تقاربُ السودان اليوم من إسرائيل إلى التخلّي عن هذه المعادلة ويستند إلى ثلاث ركائز أساسية لا تتعلّق بالتطبيع على الإطلاق، لكنّها تؤثّر فيهم بلا شكّ.

والسبب الأخير، ولعلّه الأهم، هو أنّ السودان حافظت طوال عقود على روابط وثيقة مع الشعب السوداني وبعض الجوانب الخطيرة بالارتكاز على المصالح المتبادلة التي يؤمّنها الحفاظ على الأمن والاستقرار في السودان وعلى تحقيق السلام والرابط الازلية التي تحكم الشعب السوداني.

غير أنّ تلك الروابط لطالما حدّتها طبيعتها التعاملية الأساسية والتشديد على إقامة علاقات شخصية مع إسرائيل في بلد تضرر من الوعود والأحلام  الوردية و الافتقار إلى الدعم الواسع من المجتمع الدولي. علاوة على ذلك، لطالما تعرقلت مساعي التطبيع، خاصة من جميع الشعب السوداني بشكل عام، بسبب الشكّ وعدم الثقة من داعمو إسرائيل الشديدون في السودان، الذين استقلوا النفوذ الكبير في سياسات السودان المتعلّقة بالتطبيع مع إسرائيل قبل النظر في أراء الشعب السوداني. ولا سيّما الأجيال الأصغر سنّاً. وقد ترتكب في تفكيرها هذا خطأ.

ولا شكّ في أنّ المعمعة الحادّة في السودان قد أرخت بظلالها على المسألة التطبيع  في السنوات الأخيرة. علاوة على ذلك، يصعب على الجيل السوداني الأصغر سنّاً أن يتماهى مع المسؤولين في الدولة طاعنة في السنّ وهامدة. غير أنّه ما من مؤشّر واضح يؤكّد على أنّ هذا التطبيع قد لا ينجح مثل ما خطط له البعض لن يتغيّر . فبالفعل، نظراً إلى الديمومة الطويلة لهذه المسألة، التي بقيت في أعلى درجات سلّم الأولويات السيادية لأكثر من ثلاثون عاماً، من المنطق أكثر اعتبار هذه التجربة سياقية ويمكن عكسها في حال تغيّرت الظروف. وشُعورا التماهي السوداني مع إسرائيل والمعاداة الشعب المسلم لإسرائيل مُتجذّران بعمق في النسيجَين الثقافي والسياسي للمجتمع. بالتالي، لا يمكن لشعب السوداني التخلّي ببساطة عن موقفه الذي اتّخذته لعقود طويلة من دون أن تقوّض مصداقيته من حكومة منتخبة . بالإضافة إلى ذلك، يؤدّي هذا التصرف إلى خلاف يكون خصمَا علي من قام  بهذاالتطبيع الفاشل ، وفيما من المرجّح أن يستمرّ الاضطراب السياسية في المستقبل القريب في السودان، تُخاطر بعض جهات المسؤولة التي لها علاقات مع إسرائيل في أن تجد نفسها عالقة في الجهة غير الصحيحة من خطٍّ أحمرَ اعتقدت أنّه اضمحلّ وتلاشى.

وحتّى تأمين التطبيع أوثق مع بعض الدول، الركيزة الأهمّ في هذه العلاقة، ليس بنتيجة أكيدة.

علاوة على ذلك، في ما يتعلّق بربط أمن السودان بأمن إسرائيل، على بلادنا أن تحذر ممّا تأمل تحقيقه. فقد سعت إسرائيل لسنوات من أجل أن تدخل في نطاق عمل القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط. وفي حال ارتبط أمن الدول العربية بأمن إسرائيل، تخاطر هذه الدول بوضع حاجاتها الدفاعية تحت عدسة إسرائيل الأمنية الفريدة، وهو أمر لا شكّ في أنّها ستندم عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى