الحكومة المدنية

سقطت حكومة البشير في الحادي عشر من أبريل الماضي، وبعد أربعة أشهر من سقوطها تم الاتفاق على دستور بديل لدستور ٢٠٠٥ الذي تم إلغاؤه بمجرد سقوط الحكومة السابقة، وفي السابع عشر من أغسطس الجاري يُوقّع الفريق البرهان رئيس المجلس العسكري على الاتفاق النهائي بحضور إقليمي ودولي كشهود على انتقال السودان من حقبة لأخرى. وفي الثامن والعشرين من أغسطس يتم تشكيل مجلس الوزراء للحكومة الانتقالية من شخصيات تمثل تحالف قوى الحرية والتغيير بدلاً من شخصيات مستقلة، لتبدأ الفترة الانتقالية في الأول من سبتمبر القادم، وتنتهي في سبتمبر عام ٢٠٢٢ وتجرى الانتخابات في صيف ٢٠٢٣، وحينها نستطيع القول إن بلادنا عبرت مرحلة الانتقال للحكم المدني وفق تفويض شعبي ،

أمس خرجت جموع كبيرة جداً من السودانيين فرحين بالاتفاق الذي وقعه الفريق محمد حمدان دقلو من جانب المجلس العسكري، وأحمد الربيع من جانب قوى الحرية والتغيير، وخرجت المواكب من كل أحياء ولاية الخرطوم ترفع أعلام السودان، وتمجد وطن الجدود، وأغلب المتظاهرين فرحاً بالعهد الجديد هم الفئات العمرية دون الـ٣٠ عاماً، وهناك أطفال دون العاشرة خرجوا وفي عيونهم الأمل، وفي أيديهم الغضة أغصان الأشجار يُلوّحون بها في وجوه المارة، وقد ارتسمت على الشفاه والوجوه التي كانت عابسة حتى امس القريب علامات البِشر والترحاب بقدوم عهد جديد بعد تضحيات حقيقية قدمها شباب السودان من أجل التغيير وتبديل الواقع البائس إلى آخر يشع نضارة وبهاءً في جيد الوطن الذي أثبت أبناؤه حرصاً عليه، وحباً لترابه، واستعداداً للموت في سبيله.

أثبت السيد عمر الدقير رئيس حزب الموتمر السوداني أنه شخصية تستحق الاحترام عندما تحدث بلغة الكبار، وقال لا إقصاء ولا عزل لأحد بعد اليوم، وهي لغة لا تصدُر إلا من رجل كبير في مواقفه رغم أن حزب الموتمر السوداني هو أكثر الأحزاب تضحية وبلاءً، وكان شرساً في معارصته للنظام السابق، رفض الخنوع، وبيع المواقف، وواجَه شبابُ حزب المؤتمر السوداني السجون والمعتقلات وسياط الشرطة وعصا الأمن والرصاص، ولم تنكسِر لهم هِمّة أو ينال منهم الرهق حتى سقط النظام السابق. واليوم في لحظة نشوة وبطر بالنصر يتواضع عمر الدقير، ويقول انتهى عهد العزل والإقصاء.

وفي حديثه القصير قال محمد حمدان دقلو: دخلنا المفاوضات كشركاء وخرجنا منها والكل منتصر، تلك هي روح التوافُق السياسي المطلوب لوطن أرهقته الصراعات وأقعدته الحروب، وما شهدته شوارع الخرطوم أمس من أفراح تضع على عاتق الحكومة القادمة مسؤوليات كبيرة بأن لا تخذل هؤلاء السمر الذين استرخصوا كراسي الدراسة في الجامعات وأضاعوا من سنوات العمر عاماً دراسياً أو يزيد من أجل إصلاح حال الوطن.

مشوار بناء الوطن بدأ الآن، وعلى الجميع الانصراف بعد اليوم للمزارع والجامعات وساحات الكسب اليومي والانصراف عن التظاهرات والاحتجاجات والإقبال بذات روح الثورة لإصلاح ما خرّبته أيادي الشباب، حيث تم تدمير الشوارع وشُوِّه وجه المدن بحرق إطارات السيارات وجذوع الأشجار، وحُطّمت علامات المرور، وخلال عطلة العيد وقبل فتح المدارس أبوابها يمكن استنفار طاقات الشباب للمساعدة في بناء ما خربته أيام الاحتجاجات،

وعلى الجميع الإقبال بروح التسامُح والتسامي فوق الجراحات لبناء السودان كلٌّ في موقعه وعطائه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى