Site icon صحيفة الصيحة

(خِطاب الكراهية).. ظاهرة تنخر في جسد المُجتمع السوداني

خطاب الكراهية

(خِطاب الكراهية).. ظاهرة تنخر في جسد المُجتمع السوداني

تقرير- صبري جبور

خلال الآونة الأخيرة انتشر خطاب الكراهية بصورة غير مسبوقة وسط بعض مكونات الشعب السوداني، ما يسهم في تفكيك النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي الذي يتصف به الشعب. المتابع للراهن في البلاد خلال الفترة الماضية يجد أن تلك الظاهرة تمددت وتغلغلت بكافة أوجهها ومسمياتها.. وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أشكال الاتصال تُستغل كمنابر لنشر الشائعات المضللة وغير الصحيحة والتي تجد حظها في التداول داخلياً وخارجياً، الأمر الذي يثير القلق ويؤرق المجتمع والدولة معاً.

ويشكِّل خطاب الكراهية تهديداً للاستقرار الاجتماعي والسلام، والتصدي له يعني اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تفاقم خطاب الكراهية وتحوله إلى ما هو أخطر من ذلك، خاصة التحريض على التمييز والعدوانية والعنف.

تفكك النسيج الاجتماعي

ويقول الأستاذ الجامعي والمحلِّل السياسي دكتور راشد التجاني، إن خطاب الكراهية انتشر بصورة كبيرة في كل جوانب الحياة في السياسة والعلاقات الاجتماعية، وأضاف: “حتى في الأسرية”، وأكد التجاني في إفادة لـ(الصيحة) أن وسائل التواصل أسهمت في انتشار خطاب الكراهية وسط المجتمع، مشدِّداً على ضرورة إيجاد حلول لهذة الظاهرة لآثارها السلبية الكبيرة على المجتمع، بجانب  أنها تؤدي إلى تفكك وهدم النسيج الاجتماعي، من خلال اندلاع الحروب والنزاعات .

داعياً إلى أهمية معالجة القضية عبر التكثيف الإعلامي للتوعية بخطورة خطاب الكراهية، إضافة إلى أن التصدى له  يتطلب سن تشريعات وقوانين صارمة ورادعة بقدر حجم خطورة الظاهرة .

وشدَّد التجاني على أهمية إعادة صياغة منهج التربية والتنشئة في المجتمع، فضلا عن ترسيخ قبول الآخر  والتنوع والتعايش بين الناس .

ثقافة إقصائية

ويرى المحلِّل السياسي أحمد عابدين، في إفادة لـ(الصيحة) أن الشخصية السودانية بطبعها رخوة التكوين القومي والبيئة السياسية السودانية تقليدية وأكبر حزبين كانوا ولا زالوا يتمسكون بالولاءات الجهوية والاجتماعية، مشيراً إلى أن  القوى الحديثة المناط بها بناء الشخصية القائدة السوية أفنت جل عمرها ومجهودها في التضاد الآيديولوجي وأبحرت في براحات ضيقة (المدن) فتظهر دائماً أنشطتها معزولة وصالونية وفي إطار هذه البيئة نشأ صراع قائم على ثقافة سياسية إقصائية (أنا فقط الحزب الكويس) فتبنت أركان النقاش تخريج دفعات لأجيال متلاحقة متعصبة للحزب ومكانته أكثر من الوطن.

بناء الشخصية الوطنية

وقال عابدين: “هذا الوضع بداخله يتفاعل عجز لبلوغ الغايات فيتم استخدام أدوات عاجزة ومنها خطاب العنصرية المصنع المفرخ لخطاب الكراهية فحين تفشل مؤسسات المجتمع المدني في التحاور فيما بينها ينبت خطاب الكراهية والإقصاء والعزل، ثم أن الدولة ذاتها تساهم حين يصل من يديرها عبر ذات الخطاب فيرعاه أو يتغاضى عنه”.

ويضيف عابدين من خلال إفادته لـ (الصحيفة): إن المنهج التعليمي يخلو من خطاب معاصر وأستاذ وطني وتربية وطنية فيعود التلميذ ككيس مشحون مواد خشبية تجارية، إضافة إلى انعدام الأنشطة الثقافية وإهمال النشاط فيها وتفشي نظرية أن السلطة مغنم ومكسب شجع الكل على اعتناق خطاب الكراهية فارتبطت إدارة الشأن العام به وصار مربح ومريح فطغى الفاسدين العنصريين وانزوى الصادقين الوطنيين..ويؤكد عابدين “لا حل ولا علاج إلا بإعادة بناء الشخصية الوطنية القومية داخل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.. وهذا لن يحدث إلا باعتراف العقلاء أن هنالك مشكلة خطيرة تهدد وجود الدولة ذاتها..وإشراك الشعب في العلاج عبر أنشطة عامة تساهم في هزيمة خطاب الكراهية.

اعتراف متبادل

على ضوء ذلك أعد مركز إشراقات الغد للدراسات والتنمية خلال الفترة الماضية ورقة حول (استراتيجية مكافحة خطاب الكراهية وبناء التعايش السلمي في السودان)، حصلت عليها (الصيحة) أشارت إلى أن التعايش السلمي يقوم في أي بيئة اجتماعية ومنها البيئة السودانية على ضرورة الاعتراف المتبادل بحق كل فرد في الوجود ثم حقه في الاختلاف وما يتضمنه هذا الحق من امتلاكه لثقافته وهويته وحقه في السعي لتطويرها ونشرها والحفاظ عليها.

وعدّدت الورقة أسباب التعصب وخطاب الكراهية ممثلةً في عوامل وأسباب ترتبط بالفرد نفسه والمحيط، بجانب النزوح، المعلومات الخاطئة والاعتماد على القانون الجنائي.. وأيضاً تناولت الورقة مظاهر الكراهية والتعصب التي تتمحور في فرض الأفكار والرؤى والمذاهب على الآخرين، التضييق والكبت، الإنكار في المسائل الاجتهادية، الحرمان، التعميم في الأحكام والأخذ بالأفكار المسبقة والتبخيس.

عمل وقائي

وحدّدت الورقة إطار الاستراتيجية العام في أنها عملية سلمية، التدخل المرن، تشييد البُنى الأساسية، ودفع السلام من الداخل، وأشارت الورقة إلى أن خطاب الكراهية وجد متسعاً وفضاءً رحباً خلال السنوات الماضية وزادت معه التحديات التي يواجهها المجتمع فيما يتعلق بتجنب الوقوع في فخ خطاب الكراهية أولاً وفي مكافحة هذا الخطاب ثانياً.

وأشارت الورقة -أيضاً- إلى مبادئ الاستراتيجية التوجيهية المتمثلة في الرؤية المتكاملة، الالتزام الوطني والمسؤولية، وحدة العمل، التماسك، الشفافية وسهولة التواصل والتحليل والتقييم والقدرة على التكيف.

وتناولت ورقة المركز أن أهداف الاستراتيجية لمكافحة الكراهية منها تخفيف الصعوبات التي تواجه الحكومة والمجتمع، التعامل مع التهديدات المختلفة للأمن الإنساني، بجانب تشجيع كل مجالات الحوار، التدخل المُناسب لمنع نشوب النزاعات، تحديد محركات السلام المجتمعي، دراسة المحددات الدقيقة للنجاح في العمل الوقائي.

قبول الآخر

وأشارت الورقة إلى أن المجتمعات بصورة عامة والمجتمع السوداني بصورة خاصة تحتاج إلى مؤسسات تعمل على غرس ونشر ثقافة وقيم التعايش السلمي والتسامح ومكافحة خطاب الكراهية داخل المجتمع، بجانب حث الأفراد على مبدأ قبول الآخر واحترامه، فضلاً عن توجيه المجتمع نحو الحوار والتفاهم لحل المشكلات والتوصل إلى الطريقة الأفضل لبناء وتحقيق التعايش السلمي الحقيقي داخل الوطن الواحد، إضافة إلى ضرورة صياغة برنامج عمل للاستراتيجية للمساعدة في جهود التصدي لخطاب الكراهية. وتطرقت الورقة إلى جهود المؤسسات الدولية التي قالت: تُبذل جهود عديدة في سبيل التصدي لظاهرة خطاب الكراهية، حيث تتجلى هذه الجهود في عدة أشكال منها اليونسكو، والمعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وشدّدت الورقة على ضرورة أن تهتم الحكومة بتشريعات شاملة مناهضة للتمييز، وأن تضمن الدولة الحق في محاكمة عادلة، الانصاف العادل، إنشاء هيئات معنية بالمساواة، الجمع المنهجي للبيانات المتعلقة بالتحريض على جرائم الكراهية، والرفض الرسمي الصريح لخطاب الكراهية.

 

Exit mobile version