محمد عبد الله برقاوي يكتب: رحيل تاريخ من خلف المايكروفون

 

لم يكن أستاذي محمد سليمان، مجرَّد صوت تحمله أجنحة الأثير ليعانق مسامعي وأنا في ذلك الصبا المبكِّر، حيث بدأ تنامي عشقي لما يبثه ذلك الجهاز الساحر المسمى بالمذياع ..بل أن صوت الرجل وقفشاته وعباراته الجاذبة مثل ياراجل وهو كده.. وضحكاته الساخرة كانت كلها عوامل إعجاب مثلث حلماً بات يراودني لأن التقيه وجهاً لوجه وأنا أرى فيه أنموذج الإذاعي القدوة الذي تمنيت أن أصل إلى حيث يجلس خلف ذلك المايكروفون عبر إذاعة أم درمان .

وحينما قدِّر لي المولى الكريم أن آتي من الجزيرة لمواصلة دراستي بالخرطوم لم

أفوِّت الفرصة لإشباع شغفي من التواصل مع الإذاعة لأتعلم عن كثب من مواطن ذلك العشق الذي ظل يتملكني .

وحينما وقفت أمام أستاذي محمد سليمان، لأول مرة ..أخذ بيدي دون تردد ولعله قد قرأ في أعيني المبهورة بشخصيته بريقاً قد تتسع دائرته متى ما أحيط بالرعاية ووجد الجدية والمثابرة كما أفادني مصرِّحاً بذلك الرأي لاحقاً ..ورغم أنه كان يحثني بأن تكون الأولوية في اهتماماتي للدراسة والتحصيل ولكنه لم يبخل بأن جعلني أن أكون بجانبه للقيام ببعض المهام الخفيفة داخل الأستوديو لأنهل من معين خبرته أثناء تقديمه لبرامجه مثل ضيف الأسبوع وجراب الحاوي التي كانت تستأثر بافئدة المستمعين في كل مكان .

لا خير في من لا يذكر أفضال الناس التي هي من الفضل الأكبر لله الذي نسأله متضرعين لعليائه أن يتقبل أستاذنا الكبير محمد سليمان محمد بشير، الذي ترجَّل عن سرج الحياة بعد مشوار طويل في دروب العطاء قطعه بكل سخاء دون انكسار لكلل الرحلة أو استسلام لوهن العمر ..فظل كما شاهدناه حتى في سنواته الأخيرة يسهم في اكتشاف وتوجيه المواهب عبر برنامج “نجوم الغد” حتى أعياه المرض لينقطع إلى أن نعاه الناعي صباح أول أمس لنودع رجلاً كان تاريخاً طويلاً من الفن الإعلامي ليتركه الراحل العظيم إرثاً يتفيأ ظلاله من بعده كل التائقين للصعود إلى منصة المايكروفون و النظر بعيون الكاميرا عبر الاثير المشاهد والمرئي .

العزاء الصادق والمواساة الخالصة للوطن ولأسرته ولزملائه وكل محبيه ومعارفه ولنا نحن تلامذته المكلومين في فقده الأليم والمحزن .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى