منى أبوزيد تكتب : في السِّياسة والقداسة

29 ديسمبر 2022م

“أعظم شيء جادت به الحضارة الغربية أنها ألغت فكرة البطل لصالح فكرة المؤسسة”.. ميشال فوكو..!

اشتراط نزع القداسة عن رئيس الحزب وخضوع منصب الرئيس للمنافسة الحرة بالكفاءة وليس الوراثة، والمُناداة بالمؤسسية والديمقراطية ليس شطحة، لكن التصالح مع واقع يفرض أو يفترض العكس هو المصيبة الماثلة التي ينبغي أن يشجبها أي مُجتمع سياسي يحترم نفسه قبل مُواطنيه..!

 

الأسئلة الوجودية التي يثيرها واقعنا السياسي المحلي تُشير بإلحاحٍ نحو وجوب تغيير الموروث والنمطي والسائد، وحوادث النزاع والانشقاق ومشاريع الاختلاف على مشارف الائتلاف…إلخ.. تلك هي أزمة السياسي المعاصر الذي يصنع مآزقه بنفسه لأنه لا يجيد التفكير بعقلية المداولة والوساطة والشراكة، ولا يحسن المُواكبة في زمن نهاية الوصائية وانقراض الدّور الأبوي السِّياسي لزعماء الأحزاب والطوائف..!

ماذا ينتظر السودان من زعامات عريقة وقيادات منشقة تُواجه مُستجدات الواقع بعدة عمل قديمة وعقلية نخبوية؟. ماذا ينتظر “السوداني” من أحزاب تسير بفكر الرجل الواحد وتتصدى للمنافسة السياسية بمنطقه الذي يضع العراقيل حيناً ويبسط المُشكلات أحياناً ولا يتورّع عن طمس أيِّ دور قيادي لا ينطلق من مسرح الرجل الواحد..؟

ماذا ينتظر “محمد أحمد” من فكر سياسي لا يؤمن بالصيغ المُركّبة لحل المشكلات المُعقّدة وأداء سياسي لا يؤمن بالعقل التواصلي، ومنهجية قيادية مُتوارثة أثبتت النوازل والخسائر الوطنية فداحة أخطائها..؟

إذا كانت الإجابة أنه ينتظر الإصلاح والتجديد – لا الإقصاء والتحييد – فمن يفكر بلغة التغيير والإصلاح داخل أروقة الحزب يجب أن يُنادي أولاً بالفصل الحاسم بين العام والخاص، بين الزعامة والسيادة، بين المُختلفات والمُتعارضات..!

الإصرار على اقتران التقديس بالتسييس في تمثيل الحزب الطائفي يجعل دعاة “تجديد المسار” يائسين ويتعاملون مع هويتها الحزبية المزدوجة بسلوكيات حادّة تُدمِّر صيغ التعايش فيما بينها، فيخرج النزاع بصورة بائسة إلى العلن..!

وعليه، فإنّ الحديث عن منهجية التغيير يقتضي الدخول في مُراجعات نقدية بنّاءة والانخراط الجاد في فعل ثوري يصطحب في مُعالجاته أنّ طبيعة الانتماء داخل ذلك الكيان السياسي “مركبة”، وأن مصدر الخلل ليس وحيد الجانب، وأن مكتسبات ثورة التصحيح لن تعود على طرف واحد..!

الناس في هذا البلد ما عاد يكفيها أن تتبع أحداً ولا بات يرضيها أن تؤله سيداً، بعد غاشية الفشل السياسي وقارعة المُعاناة الاقتصادية التي جفّفت أقلام التأليه ورفعت صحف القداسة..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى