يحيى البحاري يكتب : الأخضر البتحرَّن .. إخفاق المعنى

 

في الذاكرة أيام الإعداد والتحضيرات لبرنامج (همس ونغم) السهرة الرمضانية التي بثتها فضائية (سودانية 24) غلبت ترشيحات فريق الإعداد بأن ثلاثة منهم يدعمون التسجيل مع الفنان (أبوالقاسم ود دوبا) ولم يحالفنا الحظ وقتها للتسجيل معه، وأيام ماكنا نشرع في التحضيرات للحفل الجماهيري المقام بقاعة الصداقة لدعم متضرري السيول والأمطار هاتفتنا المشرفة على الحفل أستاذة (هالة بحر) قائلة في حماس: الفنان (أبوالقاسم ود دوبا) المفروض يكون من ضمن الفنانين. والرسالة النصية من الشركة المنظمة للحفل نقرأ من خلالها الاسم بوضوح الفنان (أبوالقاسم ود دوبا) والقائمة تضمن تسعة فنانين آخرين. والفتاة العشرينية حين تعرف بتنظيم الحفل كانت تسأل في حياء، أستاذ أنت بتعرف أبوالقاسم ود دوبا؟ والرجاء والأمنيات التي تتقافز من عينيها تخبرنا بما تريده.. فالحياء المصحوب بالأدب والحشمة لايمكننا غير إكرامه. نقول: نعم وهو من ضمن فناني الحفل. ولم تسعد الحسناء يومها بغناء ود دوبا لأسباب خارجة عن إرادة اللجنة المنظمة.

وفي منافسات كأس العالم التي أقيمت بدولة قطر تغنى السودانيون بأغنية ود دوبا (الأخضر البتحرِّن) إعجاباً وتشجيعاً للمنتخب السعودي، وكان هذا إخفاقاً، والإخفاق في ترديد مفردة (البتحرَّن). وهي في أصلها الفصيح تعني مماتعني (لزم الشيء مكانه) ولم يبرحه كأنما تقول لزم المنتخب السعودي مكانه بعد فوزه على منتحب الأرجنتين، ومن ثمة غادر المنافسة. وإنما مايجعله إخفاقاً بديعاً هو أراد المدح والإعجاب تضامناً مع الأخضر السعودي.

وددت حينها لو تبدلت التاء بالدال لتصير المفردة (البدحرن) والمفردة في فصيحها تعني دحر الخصم أي هزمه وهنا من اللطف أن لانقول عدوه لأن كرة القدم ليست فيها أعداء..وكما معروف السودان في إرثه الثقافي والفني البراعة في صياغة مفردة الشجاعة والحماسة والفخر والسيرة. فاشتهرت عند الفنان (صلاح بن البادية) كلمات “رقصت ليهو القيد حرن ياعديلة ليه خلت الأبكم رطن” و(القيد حرن) من رقصات العروس المعروفة بمحاكاتها للمُهر_ ولد الفرس.

والمفردة في التطريب بديعة عند ود دوبا لحناً وأداءً وأنيقة عند شاعرها حامد عثمان التايقر الذي كتب -أيضاً- للفنان بلة ود الأشبه (تمشي القيد حرن). مما يؤكد تطابق المفردة عند شاعرها ويؤكد ماذهبت إليه أنه كان إخفاقاً مشفوعاً بالرضاء من شعب متيم بالإخضرار والطرفة من شمال أفريقيا كانت تقول “كل العرب يدعون للأخضر بالفوز في المباراة حتى فازت المكسيك لأن منتخبها كان يرتدي شعاراً أخضر بينما السعودية شعارها كان الأبيض”.

حسناً_ الحكي أعلاه يؤكد بأن للفنان (أبوالقاسم ود دوبا) جمهور عريض وأنه وضع بصمته الخاصة في مسيرة الأغنية السودانية وأنه مع مطربي جيله من منطقة البطانة أمثال الفنان بلة ود الأشبه وإبراهيم الفقيشابي والفنان الجيلي ودالناس قد نهضوا بأغنية البطانة، إذ كانت من قبل يحصرها الباحثون في شعر الدوبيت والرباعيات وتتمحور اهتماماتهم ودراساتهم عن البطانة بهذا الضرب من النظم على مختلف أنواعه سواءً أكان شاشاي أو دوباي.

كان هذا هو الجهر من القول همساً نقول: مابين الرميش فوق للطريف الكحيل هزاز صدرو ميل فدع الخصر النحيل بالرجاج يقلع زي شبه (المُهر الوحيل) النوم من عيني فر وقلبي ناوي الرحيل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى