إضراب المعلمين… الزج بالخطاب المطلبي في أتون السياسة

 

الخرطوم: الطيب محمد خير

على غرار المواكب الاحتجاجية التي تسيِّرها لجان المقاومة تحت مسميات مختلفة أعلنت لجنة المعلّمين السودانيين، عن جدول إضراب العزة، لشهر ديسمبر حتى نهايته. وقالت اللجنة في تعميمٍ صحفي، إنّ الجدول يشمل يوماً واحداً للإضراب، وخمسة أيام إغلاق كامل موضحةً أنّ “إغلاق” يعني عدم حضور المعلّم للمدرسة، فيما يكون الإضراب بحضور المعلّم وعدم العمل.

ويأتي هذا التصعيد من قبل لجنة المعلّمين السودانيين على الرغم من البشريات التي زفتها القيادات السياسيّة في الدولة بعد نجاح ثورة ديسمبر بأنها ستعمل للنهوض بقطاع التعليم بكل مستوياته بزيادة حصة وزارات التربية والتعليم في الميزانيّة الحكوميّة السنويّة لتنعكس في جودة التعليم المقدّم في القطاع العام، وتبع ذلك زيادات في مرتبات المعلمين، لكن هذه الزيادات سرعان ما ابتلعها غول التضخم  وظلت الاتهامات بتراجع الدولة عن وعدها تحسين أوضاع المعلمين المعيشية وغيرها من الوعود التي قطعت لتصبح بذلك لنسخةً من التجارب السابقة التي كانت إبان العهد البائد، وترى لجنة المعلمين أنه بعد قرارات 25 أكتوبر، التي تعتبرها  انقلاباً على الثورة أن مقدرات الدولة عادت لتخصص للحفاظ  على الأمن الذي ما زال يهيمن على نصيب الأسد من الميزانية العامة على الرغم من توقيع اتفاق السلام  نتيجةً لحالة عدم الاستقرار الأمنيّ التي تشهدها البلاد.

ومن الثابت دستورياً أن للمعلمين كما لغيرهم الحق في الاحتجاج والتعبير عن مطالبهم بتحسين الوضع المعيشي وتأهيلهم هو حق كفله لهم الدستور بما لا يخالف أحكام القانون ولا يحتاج إلى موافقة الحكومة، بل يتوجب عليها حماية هذا الحق في التعبير عن مطالبهم، ولكن لايخفى في ظل التجاذبات بين لجنة المعلّمين السودانيين التي تعتبر وعود ووزارة التربية  كلام في السياسة للاستهلاك المحلي هدفها امتصاص غضبهم والسلام، في خضم هذا الشد والجذب والتصعيد لا يخفى مشهد اختطاف أوجاع المعلمين ومطالبهم المشروعة والقذف بها في أتون التجاذبات، والضغوط السياسية لتحقيق الأجندات السياسيّة  المختلفة عبر المطالبة بحق المعلم ما ولَّد حالة من الإحباط والإحساس بالخيبة لدى أهل الطلاب في المدارس الحكومية الذين غالبيتهم أبناء الفقراء وتركتهم الدولة في صراعها من نقابة المعلمين وإضراباتها يصارعون لوعة الخوف مع ذويهم من ضياع مستقبلهم الذي يشكِّل نسبة عالية من مستقبل التعليم في السودان بما يبعث مخاوف على وضع التعليم الذي يشكِّل ركيزة أساسية في وجود الدولة وقتها، وهذا مادفع رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، لطرح سؤاله المشهور أمام  أعضاء البرلمان في أول خطاب له بعد الحرب العالمية الثانية عن حال وزارتي التربية والعدل.. وحينما أجابوه أنهما بخير، قال قولته الشهيرة 🙁 إذاً بريطانيا العظمى بخير ).

 ويرى مراقبون أن العلاقة بين التعليم والسياسة علاقة تكاملية وهي أن تكون السياسة أساسًا تنظيميًّا للتعليم، إذ تعمل السلطة السياسيّة على رعاية العمليّة التعليميّة بتوجيه الاستثمارات بصورة فعّالة نحو قطاع التعليم، لكن في ظل حالة الشد والجذب بين لجنة المعلمين والوزارة بسبب تدخلات السياسيين واستمرارها بلا معالجات سريعة وجادة ستشكل كارثة ستنتهي بانهيار التعليم العام في السودان .

قال الخبير التربوي د.محمد صالح لـ(الصيحة): هنالك وجود لتدخلات سياسية في القضايا المطلبية للمعلمين، وأن مايجري استغلال لقضايا المعلمين ومشكلاتهم لتنفيذ أجندة ومصالح سياسية، ومؤكداً أن هناك جهات تدعي وقوفها مع قضايا المعلمين من منظور سياسي  ضمن الصراع الدائر -الآن- حول من سيسيطر على وزارة التربية والتعليم، وهذا واضح من الصراع الدائر -الآن- بين الحزب الشيوعي وحزب البعث والإسلاميين والجمهوريين للسيطرة على وزارتي التعليم العام والتعليم العالي، كل من هذه الجهات الأربع يريد بسط سيطرته وهذا الصراع دائر منذ حكومة الفترة الانتقالية الأولى وكل يسعى لتسكين كوادره وهذا يدفع ثمنه الشعب السوداني.

وأشار إلى أن لجنة المعلمين الحالية كانت داعمة للوزير السابق محمد الأمين، وكانت رافضة لعزله من الوزارة وتصر على إعادته لمنصبه، وأوضح هذا ليس من اختصاص النقابة أو لجنة المعلمين بأن تطالب بتثبيت الوزير أو عزله، وهذا من اختصاصات السلطة العليا في الدولة التي لها تقديراتها لمن هو أفضل لإصلاح التعليم، وبهذا خرجت لجنة المعلمين مسارها النقابي وانجرت في مسار المماحكات السياسية، وأضاف بالتأكيد مايجري -الآن- فيه استغلال واضح لقضية المعلمين التي يجب أن يكون من يتبناها صادق في توجهاته .

وقطع د. محمد صالح بأن عملية الإغلاق التام أو الجزئي ليست من صلاحيات لجنة المعلمين ولا أحد يرفض المطالبة بحقوق المعلمين، لكن لا أحد يؤيد إضعاف العملية التعليمية، وتساءل لماذا صمتت لجنة المعلمين عن الخلل في العام الدراسي الذي لم يتعد شهرين؟ وكذا هذه جريمة تتحمَّل الصحافة مسؤولية الصمت عليها وغيرها من الأخطاء الموجودة في المنهج خاصة المرحلة المتوسطة.

من قال المحلِّل السياسي عبدالله آدم خاطر لـ(الصيحة): إن المعلمين أياً كانت مطالبهم في ظل الظروف العادية والأزمات التي تواجهها البلاد هي حقوق واجبة الأداء على الدولة والمجتمع وأن يستمع إليهم.

أما في جانب التدخل السياسي في قضايا المعلمين قال خاطر: معروف أن الحركة الوطنية في السودان قامت على أكتاف المعلمين والآن الحاجة للمعلمين في العمل السياسي تختلف عن فترة مقاومة المستعمر، وهم الآن أكثر شريحة مؤهلة لقيادة التنوير للأجيال وبناء مستقبل السودان، وبالتالي أن كانت لديهم مطالب يجب أن تكون موضع اهتمام الجميع في كل المستويات ويصعب جداً الحديث عن استقطاب المعلمين سياسياً، لأن المعروف أن المعلمين هم قادة التنوير ومهما حاول السياسيون استمالتهم واستغلالهم، سيظل التعليم بعيد عن أي شبهة ومحصَّن بالمعلمين وإيمانهم بمهنيتهم في أداء رسالتهم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى