صراع المحاور.. هل تجرف التيارات الإقليمية (الخرطوم)

مُطالبات بخلق علاقات متوازنة مع جميع الدول وامتلاك السودان قراره

ديون السودان الخارجية تجاوزت الـ60 مليار دولار بسبب سياسة المحاور

ازدهر عهد عبود لأنه خلق علاقات متوازنة مع الشرق والغرب

كيف وقع نميري في مصيدة المحاور؟ ومن أين بدأ الانهيار الاقتصادي؟

أكاديمي: المحاور الإقليمية لا قطر ولا تركيا ولا السعودية ولا الإمارات

خبير اقتصادي: لهذا (…) يسعى المعسكران الشرقي والغربي لفصل دارفور

محلل سياسي: هذا (…) ما يُميّز العسكري (خارجياً) عن الإنقاذ

الخرطوم: هويدا حمزة

في إجابة سابقة على سؤال للصيحة حول اتجاه سفينة العلاقات الخارجية للسودان في الفترة القادمة، أجاب رئيس اللجنة الاجتماعية والتنمية بالمجلس العسكري، الفريق أول طيار صلاح عبد الخالق بقوله: (ستكون علاقتنا متوازنة مع جميع الدول، وتميل حسبما تقتضيه مصلحة الشعب السوداني، ولن نعادي العالم، مهمة الحاكم أن يكون الشعب مرتاحاً (ماكل، شارب..الخ) وليس مهمته أن يصارع ويناطح).

ولكن ها هي الأيام ترجح كفة السعودية والإمارات بعكس توجهات النظام السابق نحو المحور التركي ــ القطري، بل حتى “ريموت الرسيفر” تحول من قناة الجزيرة المحببة سابقاً إلى قناة العربية بصورة أكبر، وإن كان بعض المراقبين والمحللين يرون أن توجه المجلس العسكري هو ذات توجه الإنقاذ، والاختلاف الوحيد هو أن المجلس العسكري فقط قطع (شعرة معاوية) التي كانت مع تركيا وقطر، لأن سياسة (مسك العصا من النص) هي التي أضرت بالاقتصاد السوداني إبان العهد السابق، حسب تصريحات بعض أعضاء المجلس، بينما يرى خبراء اقتصاد ومحللون سياسيون أن أسوأ الفترات التنموية في البلاد هي تلك التي انتهجت فيها الأنظمة وقتها سياسة المحاور مطالبين بعلاقات متميزة مع جميع الدول.

لمحة تاريخية

تاريخيا كانت سياسة السودان الخارجية منذ الاستقلال مختلفة تمامًا عن سياسات الدول المجاورة لها في شمال أفريقيا، وفي جزيرة العرب، وكنموذج لذلك الرئيس عبود الذي استطاع أن يخلق علاقات مع الشرق والغرب، وقد كان عهده أعظم فترة ازدهار إقتصادي في السودان بلا منازع، رغم أن عهد الرئيس عبود انتهى بثورة شعبية، لكن ليس هناك عهد شهد ازدهاراً اقتصادياً مثله، ولم تكن هنالك طفرة اقتصادية أسستها الديموقراطية، ولكن هي بقايا مشاريع الاستعمار، مثلاً مشروع الجزيرة كان في عهد الخواجات تسعمائة ألف فدان، وفي عهد عبود وصل لمليون وتسعمائة فدان، بمعنى أن ما أنجزه عبود في سنوات عديدة أكثر بأضعاف مما أنجزه الخواجات في ستين عاماً.

نميري والمصيدة

وحسب الخبير الاقتصادي والأكاديمي والمحلل السياسي دكتور ناجي مصطفى في حديثه للصيحة أن عهد عبود ازدهر اقتصادياً لأن سياسته لم تكن خاضعة لمحور دون محور، فكان يزور روسيا في ذات التوقيت الذي يزور فيه أمريكا في أوج الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الباردة، هذه المسألة اختلفت في زمن نميري عندما جاء بانقلاب في 1969 وقد كان منجذباً للشرق باعتبار الأيدلوجية الفكرية التي أتت به. بعد انقلابه على الشيوعيين في 1971 احتضن المعسكر الغربي، وبدأ ينقب عن النفط عن طريق شركة شيفرون الأمريكية المشهورة، وكانت هذه هي الفترة التي بدأت فيها سياسة المحاور في السودان، وكان ذلك العهد السياسي الذي بدأ فيه صراع المحاور باستثناء المحور المصري ـ المصري الذي بدأ منذ الاستقلال وتأسيس الحزب الوطني الاتحادي الذي يدعو للاتحاد مع مصر، وهذا لا يعتبر خارجياً باعتبار أن مصر محور داخلي في السودان منذ أن كان السودان ومصر دولة واحدة.

وبالتالي عندما نتحدث عن قضية سياسية اليوم يفترض دكتور ناجي أن نتحدث عنها في سياقها التاريخي، ويضيف محدثي: (مشكلة السياسيين اليوم أنهم يبترون الأحداث عن سياقاتها السياسية، لذلك نقول إننا نحتاج للمعرفة والعلم في الإدارة السياسية والاقتصادية حتى نستطيع وضع يدنا على موضع الألم).

بداية الانحدار

في عهد نميري ما قبل 19 يونيو 1971 وما بعد انقلاب هاشم العطا، لم يدم الانقلاب الذي قام به الرائد هاشم العطا عضو مجلس الثورة المايوي برئاسة جعفر نميري سوى ثلاثة أيام فقط ، انتهت بإعدامه رمياً بالرصاص، لكنها كانت كفيلة بتغيير دفة السياسة الخارجية للنظام مائة وثمانين درجة، حيث انتهى شهر العسل بين النظام والاتحاد السوفيتي السابق الذي قدم دعماً عسكرياً مقدراً للحكومة آنذاك شمل الطائرات المقاتلة الحديثة والصواريخ المضادة للطائرات، فبعد أقل من عام أعلن نميري عبر خطاب شعبي عزمه على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وقال إنها قدمت مساعدات كبيرة للبلاد دعماً لاتفاقية أديس أبابا التي عقدت في العام 1972، ولم تمض فترة قليلة عادت العلاقات السودانية الأمريكية، ولم تلبث أن تطورت كثيراً في مجالات اقتصادية وأكثرها عسكرياً قدمت الولايات المتحدة عبرها طائرات نقل عسكرية كبيرة ومروحيات مقاتلة كما قدمت دعماً فنياً عسكرياً وأمنياً، تبلور هذا التعاون والتطور في العلاقات بين البلدين بقيام مناورات تدريبية عسكرية جرت في الخرطوم بين الولايات المتحدة والقوات المسلحة السودانية والمصرية أطلق عليها (النحم الساطع)، وعندما تدهورت العلاقات بين السودان وليبيا واتهم السودان ليبيا بالقيام بضربة جوية في أم درمان استهدفت الإذاعة السودانية أحضرت الولايات المتحدة للسودان طائرة الرصد الجوي الشهيرة (الأيواكس) للمساعدة لحماية الأجواء السودانية، كذلك اتجه النظام المايوي نحو المحور العربي تجاه مصر وسوريا وليبيا قبل أن تسوء العلاقات مع الأخيرة في فترة الثمانينات، وعقد الرؤساء نميري والرئيس المصري أنور السادات وحافظ الأسد ميثاقاً للوحدة بينهما لم يبارح أوراق التوقيع، وبالرغم من أن العلاقات ساءت بين مصر والسودان في أعقاب عقد مصر مع إسرائيل اتفاقية كامب ديفيد في منتصف السبعينيات حيث تحفظ عليها السودان مما أغضب الرئيس المصري أنور السودان بيد أن العلاقات سرعان ما تحسنت بين الطرفين .

وكانت بداية الانحدار الاقتصادي حسب الخبير الاتصادي دكتور ناجي مصطفى في عهد نميري فبرزت مشكلتان تسبب فيهما بسبب سياسة المحاور الأولى هي مشكلة تأميم المرافق العامة، والثانية هي مشكلة الديون الخارجية التي بدأها نميري سنة 1971 أول دين سوداني خارجي ثم تفاقمت علينا بعد ذلك الديون الخارجية أكثر من 60 مليار دولا ر و99% من هذا الدين تم في عهد الرئيس نميري، وهذه الحقيقة التي لا يعرفها حتى الاقتصاديين، تقول إن الـ60 مليار دولار حكومة الإنقاذ طوال 30 سنة ليس لديها فيه ولا دولار واحد ولا الديموقراطية الثالثة (حكومة الصادق المهدي)، كل هذا العمل صنعه نميري وجملة ذلك الدين بالطبط كان 18 مليار دولار، لكن تضاعف مع الفلسفة الربوية حتى وصل 60مليار دولار. يعني أن أزمة الدين الخارجي السوداني هي أزمة صنعها نظام مايو بعد 71 بسبب ارتمائه المحوري في حضن الولايات المتحدة الأمريكية، حسب ناجي، لذلك يجب أن يدرك الناس عموماً والسياسيون خصوصاً أين تأخذ سياسة المحاور البلاد، وأن المحور سواء كان محور الملائكة أو محور الشياطين في النهاية هو محور خارجي ولديه أجندة تحقق أهدافه الخاصة بغض النظر عن مصلحة السودان كبلد له أهداف سياسية أو اقتصادية.

هذه المسألة ظهرت لها بوادر كثيرة جدًا في عهد الإنقاذ منذ حرب الخليج التي حطم فيها السودان نظرية المحور العربي والإسلامي، ووقف موقفاً مؤيداً لنظا م صدام حسين أو معارضته مسألة الحرب عليه في 1991 وفي 2000 (حرب العراق الأولى وحرب العراق الثانية).

أيدلوجيات ومصالح

كانت إحدى آثار صراع المحاور في آخر عهد الإنقاذ هو مواقف الإنقاذ السياسية في بداية عهدها، موقفها من المعسكر الغربي والأيدلوجية الحركية الإسلامية التي بدأت في السودان سنة 93 حثث صنفت الولايات المتحدة بل حتى المعسكر الشرقي صنف السودان كدولة راعية للإرهاب، وأدرج ضمن تلك القائمة تحديداً سنة 1996 وهذه هي المشكلة التي نعاني منها حتى اليوم، وفي ذلك الوقت فرضت العقوبات الأمريكية التي استمرت حتى سقوط الإنقاذ، هذا عمل محاور في زمن حكومة الإنقاذ الذي قاد البلاد للانهيار الذي نعاني منه الآن، نلاحظ دائمًا أن صراع المحاور يبدأ بصراع سياسي يحقق مصالح معينة، وبعد ذلك يعود على البلاد بالانهيار السياسي والاقتصادي حسب دكتور ناجي الذي أكد للصيحة أن المحاور الإقليمية لا تتصدرها قطر ولا تركيا ولا الإمارات ولا السعودية ولا اثيوبيا ولا مصر، وقال إن إدارة أزمة الصراع في الشرق الأوسط هي في تل أبيب، حيث يدير الملف بترتيب محكم جداً الصهاينة مع المعسكر الغربي ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ في ظل تنامي الوفاق بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، الآن معسكر روسيا والصين بدأ يتشكل كمعسكر حليف للمعسكر الغربي.

صداقة مبطنة

محللون سياسيون يقولون إننا الآن في عهد ما بعد الحرب الباردة لذلك نحن بحاجة لأن نحلل علاقة المعسكر الشرقي حيث بدأت الصين واليابان تسحب البساط من تحت روسيا والولايات المتحدة، وتتبنى المعسكر الآخر لموازنة القوى العالمية مع الولايات المتحدة، هذا المعسكر أوجه صراعه اختلفت الآن هو وجه صداقة سياسية مبطنة بتنافس اقتصادي، أكبر داعم للولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو اليابان وثاني أكبر داعم هو الصين، وبالتالي هذا يعكس حجم التنافس الاقتصادي الضخم.

ما الذي يدور؟

المعسكر الشرقي والغربي بينهما تنافس شديد جداً في إدارة الطاقة في الشرق الأوسط الذهب اليورانيوم ،النفط والأرض الزراعية، نحن في السودان لسنا مصدر أرض زراعية فقط ولا بترول فقط بل مصدر يورانيوم خطير جداً في منطقة دارفور وجبال النوبة والمنطقة الغربية عموماً، وهذا الحديث لا يعرفه أحد وموجود في تقارير دولية، فإقليم دارفور خصب وغني جدا باليورانيوم، وهذا أحد أسباب تأجيج الصراع في دارفور والسعي لفصله حتى يتم الاستحواذ عليه بشكل منفصل ومن ثم استنزاف هذه الطاقة.

يقول الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي دكتور ناجي، إن في المحور الغربي يدور صراع موارد ما بين الصين واليابان وهي حليف مبطن غير ظاهر باعتبار أن الاتفاقية بعد هيروشيما كانت تمنع اليابان من الممارسة السياسية الدولية، إذن روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها هي المحاور وبالتالي يجب ألا نسوق القارئ لمحاور غير حقيقية .

كل شيء بحساب

رغم حديثه السابق، إلا دكتور ناجي يعود ليقول إن قطر وتركيا لا يمثلان محوراً بعيداً من هذين المحورين وهما يرفعان شعار الإخوانية أو التيار الإسلامي، ولكن في الحقيقة اقتصادياً وسياسياً غير ذلك، فهما أحد هذين التيارين والذي يمثل السعودية والإمارات التيار الآخر، استطاعت السعودية إحداث المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا، واستقطابهما إلى معسكر الإمارات، فأصبج هذا المعسكر معسكراً واحداً يسعى لفرض وجوده بنهج معين في الشرق الأوسط مطلوباته محددة وفيه قدر معين من الديموقراطية ومدى معين من الحرية، وفيه سلامة معينة من التيارات الإسلامية التي يمكن أن تهدد أمن المنطقة، ويترتب على المحور الأمني تدفق الطاقة أو كما قال.

(معانا أو ما معانا)

خبير العلاقات الدولية دكتور صلاح الدومة جزم بأن المجلس العسكري هو امتداد للإنقاذ، والاثنان منحازان للسعودية والإمارات، ولكن في عهد البشير حافظت الإنقاذ على شعرة معاوية مع قطر وتركيا، ولكن العسكري انحاز بكلياته للسعودية والإمارات وقطع شعرة معاوية مع تركيا وقطر، ويمضي الدومة في حديث للصيحة أن الإنقاذ والعسكري ليس لديهما باع في السياسة الخارجية أو العلاقات الدولية، هما فقط يعملان برزق اليوم باليوم، وينتهجان سياسات وليدة اللحظة (الفعل ورد الفعل).. سألت الدومة: (ماذا أنت فاعل لو كنت مكانهما)؟ فيجيب أصد ر قراراً بعدم الدخول في أي محاور مع الحفاظ على السيادة الوطنية، وليس صعباً أن تحافظ على المصالح الوطنية وتحتفظ بعلاقات متوازنة مع جميع الدول طالما كل الأطراف هي التي تحتاج للسودان وليس السودان هو من يحتا ج إليها.

قلت: (ولكن الدول تطالب دائماً بموقف واضح (معانا أو ما معانا) وحكوماتنا تظن أنها بالانحياز لأحد الأطراف يمكن أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من اقتصادنا المنهار)؟ يجيب الدومة بأن الدولة التي تقول (معانا أو ما معانا) تعرف أن السودان يقف موقف المتسول، ولكن إذا وقف على الحياد واعتمد على السند الجماهيري الداخلي في اقتصاده على الإنتاج والتصدير سيجعل الآخرين هم من يسعون إليه، ولكن طالما عطّل الإنتاج وعادى الشعب السوداني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى