السر السيد يكتب: كامل إبراهيم في ثيابه البيضاء

 

كامل إبراهيم حسن…هكذا ودونما ألقاب على كثرتها بين يدي حضوره الفارع, تلتقيه حيث الفكرة في أوان طلقها تسبقه ضحكته البديعة وكلامه المعبأ بحكمة الشعب..ينسرب من سلطة البياض بعمامته البيضاء وجلبابه الأبيض كشعاع  حر ليملأ المكان مرحاً وتدبراً واشتعالاً…

حالفني حظ ما أن سعدت ولو لماماً بصحبته العامرة في دهاليز الإذاعة القومية أو فناء مركز عبد الكريم ميرغنى أو فضاء اتحاد الكتاب السودانيين وكنت كلما التقيته يعبر بي على  قارب من الرفق واللطف من حكاية إلى حكاية ومن هم إلى هم…كامل إبراهيم كم كان سهلاً وبسيطاً يتشقق قلبه الصافي فتخرج ينابيع من الذكريات عن الناس والأمكنة فقد كان ساردا من طراز خاص  يحكى عن قريته أو مدينته “الشوال”.

وعن المدارس التي درس فيها..عن حنتوب..عن جامعة الخرطوم وفصله منها…عن أيامه في بلاد التشيك ودراسته هناك…عن أبيه وأمه..عن أسرته الصغيرة..عن الوطن الكبير وأحزانه وقضاياه…يحكى شفاهة وكتابة…مرة قلت له:الكثير مما تكتبه وبما يحويه من شخوص وأحداث وحكايات يمكن أن يشكل مصدرا ثرا للكتابة الدرامية فقد كنت أحس أن روحاً ما للروي والسرد تحضر بشكل أو بآخر فيما يكتب…

كامل إبراهيم يجلس على مقعد من الامتنان أدين به إليه فقد كان أول من قدَّم وعرض كتابي الأول “دوائر لم تكتمل” في واحدة من الصحف السودانية وامتناني هذا يحلِّق على جناحين,الأول ما قدَّمه من إضاءات وملاحظات حول الكتاب والثاني ما لقيه الكتاب من دعاية وترويج بسبب أن من علَّق عليه هو كامل إبراهيم,الكاتب صاحب القراء الكثيرين والمتنوعين…

كنت كثيراً ما أهاتفه لاستوثق من معلومة أو لاختبر فرضية ما جالت بخاطري وكنت أجد عنده ما يريح الفؤاد وما يضيف لما أكتب…كامل إبراهيم البشاشة في بلاغتها والتواضع في توهجه والمزاوجة العبقرية إن جاز التعبير بين النخبوية والشعبية…إنه سيد في المؤانسة والامتاع..في برنامج “خارج المكان” الذي تقدِّمه الإذاعة السودانية ويعده ويقدِّمه دكتور أحمد الصادق وأخرجه أنا كانت لنا سوانح مبهجة ونحن نستضيف كامل إبراهيم ليمنح الحكايات والذكريات التي نعرضها لونا آخر على لونها فقد كان ضيفاً على البرنامج في عرضه لمذكرات “خضر حمد” ومذكرات عمر الكارب – الجزيرة..قصة مشروع ورحلة عمر- ومذكرات أحمد محمد يسن ومذكرات مصطفى مدني –ثلاثون عاماً في الدبلوماسية- فكان أجمل قارئ وأكمل ضيف و أوسع مضيف.

أما ما لن أنساه أبداً فهو تلك الحميمية والدفء اللذان شعا من عينيه وغمرا صوته وهو يحكي عن أكثر من 45 عاماً، عاشها مع زوجته التشيكية “ازدينكا” فقد حكى بصراحة مفعمة بالامتنان عن كيف التقيا وعن زواجهما وعن حواراتهما ثم عنها هي تحديداً وذلك في برنامج (يوبيل ذهبي) الذي كنت أعده وأخرجه ويقدِّمه الأستاذ مصطفى أبو العزائم والذي بثته الإذاعة القومية في شهر رمضان المعظم  قبل سنوات والبرنامج فكرة أستاذنا معتصم فضل  وتقوم فكرته على استضافة زوجين عاشا خمسين عاماً، أو يزيد أو قاربا الخمسين عاماً، بقليل من غير وجود زوجة ثانية، فقد كنا نهدف إلى تمجيد الزواج من واحدة فقط، كما كنا نهدف إلى الكشف عن بعض جماليات هذه المؤسسة وقد فعل كامل إبراهيم هذا وأكثر.

كامل إبراهيم -رحمة من الله تغشاك وستبقى في الخالدين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى