Site icon صحيفة الصيحة

كتبها الشاعر المنسي مبارك عبد الوهاب: حياتي حياتي.. الأغنية التي شكلت بعثاً مفاهيميّاً في الغناء السوداني

كتبها الشاعر المنسي مبارك عبد الوهاب

حياتي حياتي.. الأغنية التي شكلت بعثاً مفاهيميّاً في الغناء السوداني

كتب: سراج الدين مصطفى

(1)

من حديقة العميد أحمد  المصطفى نقتطف زهرته اليانعة (حياتي حياتي) للشاعر المنسي مبارك عبد الوهاب رضوان، هذه الأغنية التي شكّلت بعثاً مفاهيميًّا في الغناء السوداني من حيث تركيبتها الشعرية في صياغة المفردة أو من ناحية التكريس لمفاهيم جديدة تجاوز بها أحمد  المصطفى عصر الحقيبة وحقبة الغناء الحسي والمباشر، حيث قال عنها الشاعر والمسرحي الراحل عماد الدين إبراهيم: فبينما كانت عموم الأغاني الرسمية تتحدّث عن المرأة واصفةً إياها بمنظور حسي أو هي أحزان رومانسية عن الغياب والدموع والسفر والأذى والحرمان، فكأننا نسمع بكائيات جوفاء في مضمونها لكنها ذات جرس وسجع، وهي مفردات حميمة نتلقفها ونروج لها فتصبح كذبة صدقناها، ووسط هذا الزخم من أغنيات الحس وأغنيات البكاء والنواح ظهرت أغنية حياتي وثيقة ضد السائد والمألوف تضع المرأة لأول مرة ندّاً للرجل مساوية له على الطريق – يصرخ (مبارك) مفتتحاً القصيدة بكلمات بسيطة معبرة وقوية

حياتي حياتي.. 

أحبك أنتِ كحبي لذاتي ..

أحبك أنتِ 

لحبك أنت معاني الحياة ..

سلكتي طريق طريق محفوف 

بكل محب وكل عطوف 

نبذتي الضيق نزعتي الخوف 

وقلتي نسير نسير ما نقيف 

وقلتي ما دام في الدنيا حب 

وعاطفة عميقة في روحنا تدب 

وإيد في إيد

وقلب جنب قلب 

ليه ما نسعد وليه ما نحب 

(2)

استطاع الرجل بتكرار العبارات أن يتمكن من اختراق قلب مُستمعه مبُاشرةً، لم يكن الشعراء (شعراء الغناء) يقولون حينذاك مثل هذا الكلام/ وأن يرتبط الحب بعموم معاني الحياة، انظر إلى المفردات (حب الذات) (معاني الحياة) تعابير غريبة على جسد الأغنية السائدة ولو لم يغنها أحمد  المصطفى ويضع هذا اللحن الشفيف ويفرضها مجدداً في الأغنية لوجدت قمعاً مثلما يحدث مع كل جديد وعموماً – أعتقد أنّ هذه الأغنية – تجربة ثورية في الأغنية، وأن مبارك عبد الوهاب يستحق فقط بأغنيته هذه تكريماً خاصًّا.

(3)

يقول ابن أخته المهندس محمود أحمد المصطفى، ولد الشاعر مبارك عبد الوهاب رضوان يوم 11 مايو 1927م، بحي بيت المال بأم درمان، وقد كان أبوه خليفة الخلفاء للسيد علي الميرغني، وشاعراً للختمية حتى لقب بشاعر السيد. وجده رضوان كان مادحاً للرسول صلى الله عليه وسلم. درس مبارك بخلوة الفكي النخلي ثم المدرسة الأولية بالحي، فأم درمان الأميرية الوسطى، ومدرسة وادي سيدنا الثانوية. اُختير للدراسة بكلية الخرطوم الجامعية في عام 1948م، ولم يكمل دراسته بها، حيث تم فصله لأسباب سياسية، فعمل لمدة عام في معمل ويلكوم التابع لوزارة الصحة، ثم التحق بعدها بجامعة القاهرة لدراسة الهندسة الميكانيكية عام 1949م، وفي هذه الفترة قدم لأحمد المصطفى أغنيته ظالمني:

ظالمني وطول عمري ما ظلمتك يوم

وتلومني يا قاسي وكان حقي ألوم

بعيونك وخدودك والثغر الضحاك

تجرحني يا ظالم لو ترحم جرحاك

حبيتك أريتني ما كنت حبيت

كم ذقت في حبك نار هجرك ورويت

آلامي يا روحي وجروحي مسامحاك

(4)

والتي تغنى بها لأول مرة في عيد الأضحى المبارك عام 1952م، عبر إذاعة أم درمان. وبعد أن أكمل مبارك السنة الثالثة وفي بداية السنة الرابعة في الجامعة بمصر تم فصله لنشاطه السياسي، ولم تتوقف ملاحقته، فالتحق بالعمل في هيئة قناة السويس بمصر التابعة لبريطانيا آنذاك عام 1953م، إلى أن قرر العودة للسودان في ديسمبر عام 1954م، حيث عمل معلماً لمادة الرياضيات بمعهد التربية بشندي، وهناك زامل الشاعر إدريس جماع، حيث نمت بينهما علاقة حميمة وكانت فترة حافلة بالثقافة والفكر فأفرزت العديد من الأعمال الشعرية الرصينة.

(5)

لم يبق مبارك كثيراً بمعهد التربية بشندي حتى رشحه الأستاذ محمد عمر بشير ليكون ناظراً لمدرسة وسطى جديدة بمدينة كريمة، وفيها التقى بالفنان عبد الكريم الكابلي الذي كان يعمل في مدينة مروي، وتوطّدت العلاقة بين الاثنين، وعاصر مبارك مولد الكثير من أغنيات الفنان الكابلي، وشاركه في بعض الكلمات والألحان، وذكر الأستاذ الكابلي أنّ الشاعر مبارك عبد الوهاب هو الذي بدأ كلمات أغنية (ما بنخاصمك) كما شاركه في الكثير من الأعمال الفنية.. ما بنخاصمك أزالت الخصام بينهما، وذلك بعد أن ربط مبارك الكابلي في بداياته بحفلة زواج، ملاحظاً تردده وتحفظه الكثير آنذاك، موهماً له بأنها حفل صغير لوداع مسافر. وبعد أن اكتشف الكابلي المقلب ترك عوده وراءه وانسحب خفية من مكان الحفل، وظل شهراً لا يكلم مبارك. واقترح بعض الأصدقاء أن يكون الصلح بقصيدة من مبارك وقد كانت (ما بنخاصمك).

Exit mobile version