د. يحيى حماد فضل الله يكتب: المشير البرهان فوق الجليد

المشير البرهان فوق الجليد

* د. يحيى حماد فضل الله

اللقاءات التنويرية التي قام بها القائد العام في الأيام القليلة الفائتة، لاقت ما لاقت من التّحليلات والأحاديث العسكرية، ووجهات النظر والأفكار، وبرغم أن اللقاء الذي كان في قاعدة خطاب العملياتية وقاعدة المرخيات ولقاء أكاديمية الشرطة هي لقاءاتٌ دوريةٌ مُكملةٌ لتفقد القائد العام في إطار المسؤولية المُلقاة على عاتقه، في مجمل المُهمّة الشاملة في منظومة الدفاع العسكرية الشرطية والأمنية وقوّات الدعم السريع، ثم منسوبي الحركات المُسلحة التي لم تكتمل بعد عملية تسكينهم في القوات المُسلّحة السُّودانية. فاللقاءات كانت لقاءات راتبة في استهلال دورات التّدريبات الشّتويّة، من برامج ومناهج التدريب العسكري، وكانت اللقاءات طبيعيّة ومألوفة فيما عدا العروض التي قدمتها القوات الموجودة والأعداد الكبيرة من الأسلحة المحمولة، لذلك موضوع الزيارة نفسه مُناسبة، ومُناسبة من المُشاهدات التي متّعت المشاهد والإنسان السوداني بتلك الصور الحيّة من ملامح الجندية السودانية، والإعداد المُستدام في التعامل مع هذه الأسلحة والجنود المرابطين على مدار الثانية.

لفت نظري حديث العميد الركن/ صلاح كرار وهو يقول زيارة القائد العام إلى قاعدة حطاب العملياتية كانت بدون مُناسبة، حتى يتحدث فيها الفريق أول البرهان ذلك الحديث المُرتبك، نعم أكد العميد صلاح كرار في حديثه المُسجّل تحت الجليد أنّ حديث البرهان كان مرتبكاً في المناسبة، وهذا غير صحيح وكان الصحيح أن لا يجرد الفريق البرهان من رتبته العسكرية وكذلك وظيفته كقائدٍ عامٍ للقوات المسلحة فهو اليوم بمثابة مشيرٍ في الجيش السوداني، فالرجل عانى ما عَانى في ظرف الأربعة أعوام الماضية في خدمة الوطن والقوات المسلحة والقوات النظامية.

لذلك فهو فوق المَشهد الذي رسمه السيد صلاح كرار للرجل الذي جرّده من رتبته ومهمته كقائد عام للقوات المسلحة، وذكر أنّ البرهان عادةً ما يرتدي (البوشيرت) إلا في ذلك اليوم عند زيارته لمنطقة حطاب، فقد ارتدى اللبس (3) وحمل طبنجته في وسطه، علماً بأن القائد العام يرتدي الزي المموّه، الذي يلبسه غالب جنود قواتنا المسلحة، بعد أن تخلّت من ذلك الزي الأقرب إلى الزي المدرسي، والذي لا يناسب المزاج العسكري، بل كان غير مرغوب من معظم أفراد القوات المسلحة، وكأنّه مفروضٌ فرضاً على القوات النظامية خاصةً القوات المسلحة في مظهرها العام.

أما عن تحسُّسه للطبنجة التي في وسطه فذلك يعني جاهزيته، وإكمال الرسالة لما يقوله، فهو لا يُقاتل ولكن يقاتل الجندي في القوات المسلحة الذي وصلته تلك الرسالة المعبرة، أما رأي العميد صلاح كرار أنّ حديث القائد العام كان مُرتبكاً، فهذا غير صحيح البتة، فالقائد العام يعني ما يقول تماماً، خاصةً في حديثه الذي أشار فيه إلى الحركة الإسلامية، في أنّ الفترة الانتقالية لا تشملها، ومن الأفضل أن تترك الآخرين للعمل، والقوات المسلحة لا تغطي ظهرها، وهذا عين الحقيقة، الحركة الإسلامية هي ضمن منظومة أهل السودان غير راغبة في أي مُمارسة سياسية، بل هي في انتظار الانتخابات الديمقراطية والشرعية التي يأتي بها الشعب، (والمن الله حلو) لذلك كقوة تضامنية في مشاريعها، أهل السودان ونداء أهل السودان ليس في حاجةٍ مُباشرةٍ للقوات المسلحة، فهي يحميها الأمن النسبي الذي توفره لكل السودان وأحزابه في عملية الانتخابات الحرة، فحديث القائد العام الذي أطلقه في لقاء قاعدة حطاب العملياتية لا يعني بالضرورة الحركة الإسلامية، بل هو حديث يشمل اليمين من أهل السودان، أو التيار العريض كما تسميه الوسائط، وبالتالي الحركة الإسلامية لا تعني إلا جُزءاً يَسيراً وسط هذا الحراك الكبير الذي استنفر في الأيام السابقة بشرق شمال مدينة الخرطوم في شارع الـ(60).

كنت أعتقد أنّ المحلل صلاح كرار، الرجل القامة لو عرج وتحدث عن الأوضاع العالمية والأزمة في أوكرانيا وتأثير ذلك على أفريقيا والدول الإسلامية والصراع الذي ما زال مستمراً، وروسيا إلى جانب الحرب بينها وبين أوكرانيا أو الغرب، فالمسلمون هم الذين دخلوا الحرب لصالح روسيا دون تردُّد أو خوفٍ من أمريكا، والروس يرون لا بد من احترام المُسلمين في كل مكان، وحل المُشكلة الفلسطينيّة وتحرير العبودية في أفريقيا، خَاصّةً رواسب الاستعمار الفرنسي، الذي ما زال باقياً في غرب ووسط أفريقيا، هذا إلى جانب دول إسلامية كبيرة أعادت عرض علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من جديد.

دول مثل السعودية وتركيا والإمارات، حيث ما عادت تُبالي كثيراً بالحاجة الأمريكية للوقود والطاقة، وصارت أمريكا فعلاً تُعاني من اضطراب الأوضاع في الشأن الداخلي، كما يُعاني محيطها الإقليمي شبح انهيار الأوضاع في بعض الدول والولايات في الغرب عموماً وأوروبا على وجه التحديد، نتيجة الحبكة الروسية للأوضاع العالمية وفرض شبح الحرب الروسية، خاصةً عود الصك النووي من أكثر من اتجاه، الأمر الذي رفع الجانب الروسي على غيره من الخفض في الجوانب الأخرى في أتون القتال والحرب الدائرة في أكثر من سياق، وتصريحات وتلويح في وجه أمريكا بالأقطاب الجديدة.

في ظل هذه الظروف المُتلاحقة، لا يُمكن فيها للسفير الأمريكي أن يفقس ويفحص ويقول، إنه الحاكم الفعلي الجديد للسودان، أو كما يقول العميد الركن صلاح كرار، في تسجيله تحت الجليد، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترضى بأن يكون حاكم السودان غير هذا الوضع، ويطبق ويقول على البرهان أن يبحث عن ملاذٍ في دولة غير السودان ليعيش باقي عمره هنالك، أخي الأكبر صلاح كرار لماذا تطلق الشؤم من باب التمني؟ ألم يكن الرجل برهان ما زال القائد العام للقوات المسلحة السودانية؟ لماذا نرى للرجل حياة ذليلة وهو عزيز مكرم بين جنوده؟

وهل هناك للقائد العام حياة بعد أن سلم السودان للسفير الأمريكي؟  وهل عقرت حواء السودانية من إنجاب الأبطال ولو من رحم الحركة الإسلامية غير المرغوب فيها ووجودها في السودان؟ الولايات المتحدة هي دولة كبيرة لكنها ليست الأولى وحدها في عالم اليوم، الذي كشفت فيه الأزمة الأوكرانية عن منظومات تكون شبه شبح العالم الجديد، وفي خضم هذا الصراع العالمي المشبوه بإرهاصات نهايته، علينا أن نموت جملة وموت الكثرة عيد خلف المشير البرهان، وفوق الجليد فليست هناك دعوة أسوأ من تلك التي ذكرها الأخ صلاح كرار للقائد العام للقوات المسلحة السودانية، وهي البحث عن دولة ليقضي فيها الباقي من عُمره، بعد تسليم السودان لمن يبغوه.

* حامل درجة الزمالة في الاستراتيجية والأمن القومي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى