حِكاية (بِت) ولدت مُجَدّداً

مذ قابلتها وحتى الساعة مازالت تتودّد الكتابة إليها، لكنني طالما عرفت وقاسيت عن عسر وشقاء كيف أن الكتابة عن (إيمان) قاسية ومُرعبة.. تلك (الحمرية) المولودة من أم فلاتية والتي ينضح وجهها المُتعب بجمالٍ وضيئ وذكاءٍ بارزٍ وظاهرٍ برغم أُمِّيتها المُنتج من هبوطها القسري إلى (سوق ربك) أيام سفر والدها إلى العمليات بالجنوب وهي طفلة.

طفلت ذات ظهيرة إلى ميدان القيادة مُنضمة إلى مسيرة مرّت أمامها وهي تنتظر في شارع برِّي حظها في (شغلة نضافة).. لم تسأل ولم تُميِّز الهتافات ولا الحشود، لكنها غاصت وسطهم ليبلغوا بها القيادة وهناك صارت غيماً وسنا.. أعجبها أنها مقبولة كما هي، بل ومرحب بها.. (ومن ديك وعيك).. (الصبّة الياها)، من وقتها لم تُغادر الاعتصام مُطلقاً، فعلت ومارست هناك كل شيء.. تمطت انسانيتها وهامت شغفاً بأسراب الأماني والمعانى المنتجة مع غبار الميدان المُتصاعد وضجيجه المُتزايد.

نست ولدها وبنتها وتوقّفت عن تحويل الرصيد لأمّها في ربك، فالحصة وطن، وبارت كل رجاءات وتوسُّلات زميلات خيمتها في أن تصنع لنفسها داخل ميدان الاعتصام مورداً للرزق، فقد أبت أن تخلط شعورها الوطني التي غشيها ذات ظهيرة بالزائل من تكسب، انقطع الخبر عن العالم – ما دون القيادة – منذ أيامها الأولى هناك بفضل سرقة (موبايلها الربيكا)!! الذي لم تبحث عنه واحتسبته فداءً للوطن ومهراً لأيامٍ قادمات حُبلى بالأماني صادحات.. كل الذي تحتاجه كان في جوارها.. الرفقة والمعاني والسمر الجميل و(الكواميت).

كأنّما تنفّست هناك ولأوّل مرّة.. ألقت عن كاهلها كل عبء أرهق جسدها النحيل، وأطفأت عَن وعي واختيار كل مرارة أيّامها القاسيات.. غنّت مع من تغني وتسفلت، بينما روحها الصاعدة كانت تتثقف ثقافة جد.

لمحتها بعيداً عن تجمُّع البنات الشغالات في (أوماك) وأنا أبحث عن (خدمة نضافة) عاجلة (بلا نِقّة) لمكتبي (المُغَّبر حتى الخجل)، اتّفقنا سريعاً حول التفاصيل المُتعلِّقة بالأجر، بعد أن وصلنا إلى مكتبي، توقّفت عن النظافة عقب فراغها من الغُرفة الرئيسية وشَرَعت منداحة تحكي لي قصتها التي لا تمل.

قالت إنها ليست نادمة على مُعاندتها لزوجها وإصرارها على الذهاب الى (الجنينة) لمُقابلة أهله.

(أهلي كعبين.. ما بتقدري عليهم)..

لكنها أصرّت ملحة فرضخ لها، وهناك اعتبروها من (عيال “دار صباح” الكوافر).. تتابعت الخلافات مع نسابتها والتي أشعل فتيلها (حماد) الأخ الصغير لزوجها، حين لاحظ أنّ أخته المُطلقة شَالَت ابن (إيمان) النائم في (الهبابي) وألقته إلى الأرض لحاجتها للسرير.. هاج وماج في نخوةٍ ورجاحة عقل مُوبِّخاً أخته على فعلتها الشائنة، فتضامنت بلا حجةٍ، الأم مع بنتها و(من الشرارة يندلع اللهيب).. وبرغم امتناع إيمان عن المُشاركة في المُنازعة، إلا أنّ مشروع المُخارجة من (الجنينة) و(الطلاق) بدأ فعلاً.. وحينما اخترقت طلقة طائشة في سُوق (هبيلة) صَدَرَ (حَمّاد) منهية حياته، انقضى أيِّ شُعُور عندها بالأمان في تلك الأجواء المشحونة بالتباغُض والإيذاء.. (مِسخت) عليها الدنيا لتعود بطفليها إلى ربك.

نواصل،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى