الأزمة المعيشية وتآكل الأجور.. نظرة بعيون خبراء اقتصاد

 

الخرطوم: جمعة عبد الله 3 نوفمبر2022م

اتفق خبراء اقتصاديون على أن الأجور والرواتب السارية الحالية باتت بعيدة جداً عن تغطية المتطلبات المعيشية للمواطنين، فيما تباينت زوايا التحليل والتفسير لهذه الأزمة وكيفية المعالجة.

تضاؤل مستمر

المحلِّل الاقتصادي، الفاتح عثمان محجوب، قال في عام 2010م، كانت رواتب كثير من الموظفين في السودان تقارب مثيلتها في دول الخليج للأجانب ولذلك اختار عدد كبير من المغتربين السودانيين العودة إلى السودان.

ويرى د. الفاتح أن هذا التضخم الشاذ أدى لضعف كبير في القدرة الشرائية وباتت المرتبات لا تكفي إلا لبضعة أيام فقط، ويتم بعدها الاعتماد على الاستدانة والبحث عن عمل إضافي، وقال بشكل عام اضطرت معظم الأسر لاختيار التنازل عن كثير من السلع والخدمات، وحث الأسر السودانية على التخلي عن نمط الحياة غير المنتج والتحوُّل إلى أسر منتجة مكتفية ذاتياً من الخضر والفواكه واللحوم والألبان وإدخال تربية الدجاج والحمام والماعز في أغلب منازل محدودي الدخل، بالإضافة إلى أحواض لزراعة الخضراوات من أجل  الاكتفاء الذاتي.

وظيفة واحدة لا تكفي

ويرى المحلِّل الاقتصادي الدكتور، محمد الناير، أن كثيراً من أفراد الشعب يعتمدون على الدخل المحدود والتوظيف في القطاعين العام والخاص، وبالتالي يكون الدخل معلوم ومحدود ولا يكفي الحد الأدنى لمتطلبات المعيشية، فضلاً عن أن الفرد يعول أسرة كاملة، ويرى أن المشكلة تتجسَّد في القائمين على أمر القطاع التجاري، مشيرًا إلى الحركة التجارية المتعلقة بالنشاط التجاري أصبحت حركة البيع ضعيفة جداً لدرجة أن رب العمل نفس قد لا يجد عائداً من البيع ما يغطي تكاليف الإيجار والكهرباء والرسوم والضرائب.

وأوضح د. الناير أن القضية لم يكن سببها التضخم وإنما قضية الركود التضخمي الذي أصاب الاقتصاد الوطني وجعل حركة النشاط الاقتصادي ضعيفة، ولفت إلى أن التخلص من ظاهرة الدخل المحدود والاتجاه نحو الاستثمار يحكمه التمويل الأصغر، وهنا قال: ينبغي على الدولة أن تشجع التمويل الأصغر بصورة كبيرة وتعمل على تمكين الشباب نحو امتلاك مشروعات إنتاجية، نسبة لارتباطه بالسياسات الاقتصادية تشجع على تحريك النشاط الاقتصادي وتساعد على تدوير عجلة الإنتاج، منوِّهاً إلى أن السياسات الاقتصادية التي اتبعت في الفترة الماضية أدت لارتفاع تكاليف الإنتاج بصورة كبيرة مما أثر على عجلة الإنتاج وكذلك أثرت بصورة كبيرة على النشاط الاقتصادي، وأبان حتى إيرادات الدولة مرتبطة بالنشاط الاقتصادية والحركة التجارية إذا لم تتحرَّك لن تجد الدولة إيرادات التي تتحصلها من الضرائب وغيرها.

قضية سياسات

المحلِّل الاقتصادي الدكتور، وائل فهمي البدوي، ينظر إلى مشكلة تدهور معيشة الأسر، بأنها ليس بمضاعفة احتياجاتها اليومية، بل هي نتيجة بديهية وطبيعية لعدم كفاية الدخل، بسبب السياسات التضخمية التي تبنتها حكومات الفترة الانتقالية، وما قبلها، ليتدهور ما يسميه الاقتصاديون بالدخل الحقيقي بأسرع من ارتفاعات الأسعار، خاصة لأصحاب الدخول الاسمية الثابتة، بما فيهم المعاشيين أو الصغيرة أو ما دون المتوسطة، رغم اجتهادات الأخيرة لموازنة الدخل مع المنصرف اليومي، ليشكل ذلك واقعاً بائساً لا يمكن لأصحاب تلك الدخول أو حتى الحكومة بسياساتها التضخمية الصادمة أن تتغلب عليه.

الأجور تتآكل

وقال د. وائل: الأسعار الجامحة أدخلت قيمة العملة السودانية في تلك الحلقة الحلزونية في اتجاه الدهور المستمر والمتواصل للقوة الشرائية للعملة السودانية، حيث لا يمكن إيقافها في ظل سياسات إطلاق العنان أو تحرير آليات العرض والطلب الأسواق في اقتصاد الأجور المنخفضة وغير المنتج لبدائل ما يستهلكه من الخارج، هذا بغض النظر عن الموضوع الجدلي عن مسألة الاستقرار الهش لأسعار الصرف تحت ضغط التضخم الجامح السائد حالياً، والذي يعيد توزيع الدخل القومي لصالح الأغنياء على حساب الفقراء ذات القاعدة المتسعة، خاصة في ظل المقاطعات الدولية تجارياً ومالياً.

ويعتقد أنه في ظل هذه الظروف، حتماً تزداد القيمة الإسمية للمنصرفات الأسرية للحصول على كميات متناقصة من الاحتياجات، حتى الضرورية اليومية ويزداد اعتمادها على المعونات الخارجية للأقرباء أو على الاستدانة المتنامية الحجم مع استمرار عدم قدرتها على تنمية مصادر دخل الأسرة المستقلة لزيادة دخلها على الأقل بنفس نسبة الزيادة في المنصرفات المضاعفة إسمياً مقابل المطلوبات المنزلية المتناقصة الكمية يومياً، وأستدرك تاريخياً تلجأ هذه الفئات ذات الدخل الضعيف إلى ما يعرف بالاقتصاد المعيشي، الذي لجأت إليه العديد من الشعوب عبر التاريخ، خاصة في مواجهة الأزمات الاقتصادية، وأوضح نفس هذه الظاهرة للحل الجزئي للفقر في البلدان الذين يسكنون حتى في الشقق الحديثة، وذلك لتتمكن من تلبية الحد الأدنى من احتياجات الأسر الضرورية اليومية والتي قد لا تلبي بالضرورة، في الكثير من الحالات، لافتاً إلى احتياجات العلاج والتعليم وربما صلة الأرحام ناهيك عن بعض سبل الترفيه نتيجة لضعف الدخل النقدي الذي تتهالك قوته الشرائية بفعل الارتفاعات المستمرة في أسعار تلك الخدمات وحتى الخضار، ونوَّه، لكن مع التعليم الجامعي أصبحت بعض الأسر تترفع عن هذا الحل التقليدي عبر التاريخ، والذي قد لا يكون له بدائل في ظل البطالة المرتفعة وعدم القدرة على مضاعفته، هذا إن لم يكن زيادة دخلها على الأقل بنفس مضاعفة المنصرفات اليومية في استمرار الأسعار في الارتفاع المتواصل

اللجوء للاستدانة.

وأكد د. وائل من هنا ينتقل الحل على كاهل الدولة في حتمية تدخلها لتحسين إدارتها للأسواق وتنظيمها لاستقرار الأسعار، لكن يسبق ذلك حتمية قيامها بتحسين سياساتها الاقتصادية الكلية، وتابع: لتزداد قوتها وقوة فعاليتها لصالح الفقراء والعاطلين عن العمل وذلك بإكمال الجهد المدني المتحقق -حالياً- في التغلب على الحصار الدولي الحالي وتجاوزه بالحفاظ لاحقاً على الانفتاح على العالم، وقال بغض النظر عن قضية عدم سيطرتها على المال العام وعدم سيطرتها على أداء الجهاز المصرفي بسبب قناعات فكرية أصبحت عقبة كؤود في تحقيق التوازن الكلي للاقتصاد السوداني لتمكين المواطنيين من العيش الكريم للعيش دون اللجوء للاستدانة أو الاعتماد على الغير حتى لو كانوا من الأقارب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى