بعد صمت طويل: بيان الميرغني.. ما وراء السطور

بعد صمت طويل: بيان الميرغني.. ما وراء السطور

 الخرطوم- صبري جبور

تشهد الساحة السياسية السودانية، حالة تأهب وشد وجذب بين المكوِّنات السياسية، خاصة في  ظل تعثر  التوافق الوطني بين هذه  المكوِّنات، بغرض الوصول لحلول بشأن الأزمة السياسية  وتكوين حكومة مدنية متوافق عليه، ذات  مهام وأدوار  تسعى إلى تحقيقها حتى مرحلة الانتخابات التي يختار فيها الشعب السوداني من يحكمه.

لكن الشاهد أن المشهد يزداد تعقيداً  خلال تمسُّك كل طرف بشروطه وعدم اعترافه بالمكون أو الحزب الآخر،  لاسيما في جانب المدنيين، الأمر الذي جعل العسكريين ينظرون إلى الواقع بعين تختلف عن السابق، مع تدهور الأوضاع بالبلاد، لذلك يرى العسكريون أن أمن وسلامة الوطن من واجبهم بحكم دور المؤسسة العسكرية، لذلك يراهنون على التوافق الوطني خاصة مع تعدد المبادرات المطروحة التي طالبت قوى سياسية  وكيانات مجتمعية بضرورة دمجها في مبادرة واحدة، خاصة وأن أغلب محاور تلك المبادرات مشتركة في أهدافها، وآخرها دعوة مولانا محمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل بدعم المبادرات من أجل الوصول لحلول عاجلة تؤدي إلى توافق بين السودانيين، وعلى ضوء ذلك طرحت (الصيحة) تساؤلات على خبراء ومحللين سياسيين عن حديث الميرغني في هذا التوقيت المعني والدلالات.

 تحقيق الانتقال

بصورة مفاجئة ظهر رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل، مرشد الختمية مولانا محمد عثمان الميرغني، إلى الإعلام من جديد من خلال استصداره  لبيان حول الوضع الراهن، ودعا الميرغني إلى اتخاذ مجموعة من التدابير التي قال إنها تمنع الحرب الأهلية وتحقق التحوُّل الديموقراطي.

واقترح الميرغني في بيان (الجمعة)، أولاً “استخلاص وثيقة خلاص وطنية من إرثنا التاريخي، كما أننا نرفض ونحذِّر من إصدار أي مواثيق أو دساتير تحاول طمس هوية بلادنا وقيمها الإسلامية”.

وأضاف: “ثانياً نقترح دمج كافة المبادرات المطروحة -حالياً- وتكوين لجنة منها تجلس مع لجنة خبراء قومية، يتم تشكيلها من الأكاديميين تقدم اقتراح حكومة مدنية سودانية لإدارة الفترة الانتقالية، ويفضَّل إسناد رئاستها ووزرائها إلى كفاءات وطنية مستقلة، على أن تلتزم الحكومة الانتقالية بإقامة انتخابات عامة حرة ونزيهة خلال فترة لا تتجاوز العامين”.

 انسداد الأفق

وقال بيان الميرغني: إن الحزب ظل يتابع ما آلت إليه الأوضاع في البلاد بعد نجاح ثورة ديسمبر 2019م، وأشار إلى انتشار خطاب الكراهية والتخوين، مما أدى إلى انسداد الأفق السياسي وزيادة تعقيد الأزمة وإغلاق سبل حلها سياسياً، كما عم الشعور بعدم الاطمئنان في كل مناحي الحياة.

وأكد البيان، أن الحزب الاتحادي ظل يقدِّم خيارات السلم على خيارات الحرب، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقال “دعمنا كل الخيارات التي يمكن أن تؤدي إلى سلام دائم في كل ربوع وطننا الحبيب، وشجعنا التحوُّل نحو مربع انتقالي جديد يمهِّد لتسليم السلطة للشعب مجدَّداً”.

وأضاف: “ولكن دعمنا لهذا الخيار الانتقالي، لم يمنعنا من التنبيه للأخطاء التي قسَّمت البلاد، وأفسدت مستقبل السلام فيها، وعلى رأسها ثقافة الاتفاقات الثنائية والإقصاء قصير النظر للتيارات الوطنية الأخرى، ولقد ظللنا نرفض كافة التكتلات العدوانية”.

 إرباك المشهد

وقال بيان الميرغني: إن الأمراض السياسية التي أصابت الواقع السوداني منذ بداية التسعينات وإلى اليوم، لاتزال ماثلة، وهي المسؤولة عن حالة الإرباك في الوعي السياسي الراهن، وهي التي تنتج ثقافة الإقصاء وانعدام الثقة بين مكوِّنات العمل السياسي”، وأضاف بأن “استشرائها في هذه المرحلة من تاريخنا يهدِّد مستقبل بلادنا ويؤدي إلى وضعها على حافة الخطر”.

وأشار إلى أن ذلك يستوجب اتخاذ التدابير التي اقترحها البيان لتجنب الحرب الأهلية وتحقيق الانتقال الديموقراطي.

 توسيع المشاركة

ويرى المحلِّل السياسي الفاتح محجوب، إن بيان السيد محمد عثمان الميرغني، يعتبر بمثابة رفض للتسوية السرية التي يقال بأن قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي قد توصل إليها مع العسكر، وأضاف هذا بمعنى أن مولانا الميرغني يرفض رجوع احتكار قحت المجلس المركزي للسلطة ويرغب في توسيع المشاركة لإدخال أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية السودانية في ترتيبات الحكومة الانتقالية.

وأكد محجوب في تصريح لـ(الصيحة) أمس، أن بيان الميرغني يأتي في ذات يوم مظاهرة القوى السياسية الرافضة للتسوية السياسية بين قحت المجلس المركزي والمكوِّن العسكري، هذا يعني أنه أعطى الضوء الأخضر لاتباعه للمشاركة في مسيرة أمس (السبت) الرافضة لتلك التسوية.

 توافق الأطراف

وفي أغسطس الماضي، أعرب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن أمله في توافق القوى السياسية على استكمال مؤسسات الفترة الانتقالية وتشكيل حكومة مدنية.

وتعهد حميدتي، بالتزام المؤسسة العسكرية بتسليم السلطة إلى المدنيين والخروج من العملية السياسية، مؤكداً استعداده لتقديم المساعدة للأطراف المدنية من أجل الوصول إلى اتفاق سياسي يمكِّن البلاد من تجاوز أزماتها الراهنة.

ودعا دقلو إلى توحيد المبادرات السياسية المطروحة عبر آلية زمنية موحَّدة لتسريع التوصل إلى الحل السياسي، مشيراً إلى أن المطلوب في المرحلة الراهنة هو الإجماع وعدم الاختلاف، وتكاتف وتضافر الجهود لمواجهة التحديات المحدقة بالبلاد.

 دلالات الظهور

تعليقاً على بيان الميرغني لاسيما بعدم  صمت طويل تجاه القضايا والوضع الراهن.  وقال المحلِّل السياسي محمد علي عثمان، طبيعي جداً أن يظهر مرشد الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الأصل في هذا التوقيت الحساس من تاريخ العملية السياسية بالسودان لما يمتع به الحزب الاتحادي من تاريخ وباع طويل في خارطة السياسة السودانية .

وأكد عثمان في تصريح لـ(الصيحة) أمس، (معروف الحزب الاتحادي له إسهامات كبيرة منذ استقلال السودان وخبرات على مر عصور الحكم في الوطن، لهذا من الطبيعي جداً أن يكون له دور فعال لحلحلة القضايا الوطنية بجهود داخلية قبل أن ينفرط العقد السياسي والأمني والاجتماعي لتلك التجاذبات والتدخلات الخارجية الواضحة للعيان.

 توافق مرضي

وأشار محمد علي، أن مولانا الميرغني، يعتبر من حكماء البلاد فكان بالضرورة أن نسمع حديثه ورأيه في شأن توجهات الحكم بالسودان، مبيِّناً إلى أن العملية السياسية الآن شائكة جداً فتارة نسمع بقرب اتفاق ثنائي وهناك أصوات تكذب ذلك الإدعاء من الطرفين، لافتاً النظر إلى أن الغالبية غير راضين بهذا الاتفاق الثنائي، إذا كان لابد من تلوح في الأفق مبادرات وطنية خالصة لنتوجه بعدها إلى توافق مرضي لجميع الأطراف السودانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى