صلاح الدين عووضة يكتب : طويل!

29 اكتوبر 2022م

وكان طويلاً..
أستاذنا لمادة الرياضيات ذاك بثانوية حلفا..
وكان بالي – أنا – طويلاً إزاء استهدافه لشخصي بسبب الرياضيات هذه..
فكنت أطوِّل بالي لحين فراغي من الصف الأول..
ثم اختار – فوراً – المساق الأدبي الذي يُريحني من مدرسنا الطويل هذا..
ومن دروسٍ له في الرياضيات طويلة..
فأرتاح منه؛ ومن خبطه الدائم لقوائم درجي..
كان يخبطه برجله – وهو يقصد رجلي – ويصيح: عذبتنا يا أبا طويلة..
ثم يتعذب هو جراء هذه الخبطة..
ولم يتوقف عذابي – وعذابه هو – إلا بانتهاء صفٍّ دراسي بدا لي طويلا..
كان طويلاً كطول ليل الشعراء..
من لدن أمير شعراء الجاهلية زمان… وحتى أمير شعراء الشايقية الآن..
فالأول – أمرؤ القيس – يقول:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي… بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل
والثاني – محمد سعيد دفع الله – يقول:
قولن ليه ليله طويل… طويل… طولاً يجنِّن
لا قمراً ظـهر في سماه لا نجمات يضـوِّن
وليل قحت – في سماء بلادنا – كان طويلاً… طويلاً… طولاً يجنن..
ثم لا ضوء – يضوي – في نهاية النفق..
واستبشرنا خيراً بقرار الخامس والعشرين من أكتوبر لتصحيح المسار..
مسار الثورة؛ لا مسار فترة حكم قحت هذه..
والذي يسمونه – زوراً – المسار الديمقراطي… ويطالبون باستعادته..
والذي كتبت عنه خاطرة قبل يومين..
خاطرة بعنوان نكتة أقول فيها:
رآني أضحك… فسألني عن السبب..
قلت له: يا أخي هي نكتة كلما سمعتها ضحكت طويلاً..
في زمنٍ أليم جداً..
قال لي: وما هي هذه النكتة؟..
أجبت: إنها التي تتكرر بصيغةٍ واحدة..
ثم – ويا للعجب – لا تفقد خواصها المضحكة أبداً..
نكتة استعادة المسار الديمقراطي..
وأعدت كلمة ديمقراطي وأنا أضحك بشدة… أضحك جداً..
أضحك طويلاً..
وبالمناسبة؛ حرياتنا الصحفية لم تُنتهك – من بعد الثورة – إلا في عهد قحت..
وكانت صحفنا تُوقف أياماً طويلة..
أما في عهدنا هذا الذي يسمونه انقلابياً فلم تُصادر حرية صحيفة واحدة..
المهم أن التصحيح هذا أخذ وقتاً طويلاً..
استغرق وقتاً طويلاً… طويلاً… طولاً يجنن؛ ثم ما من قمر ظهر في سماه..
أي سماء هذا الوقت الطويل..
ونعني بالقمر هنا حكومة تسيير أعمال انتقالية من كفاءاتٍ غير متحزبة..
رغم أن الوضع لا يحتمل التطويل..
ويخبط قوائم أدراجنا – غيظاً – كما كان يفعل أستاذنا الطويل لقوائم درجي..
وليتني أعرف سبب تردد البرهان..
فإن كان يظن أن قبة قحت تحتها فكي فنقول له ليس تحتها سوى محمد الفكي..
ثم بقية الفاشلين ممن لا قواعد جماهيرية لهم..
وأصدق دليلٍ على ذلك ما سموها مليونية ذكرى الانقلاب؛ قبل أيام..
فقد فشلت فشلاً مُضحكاً..
ولما لم يجدوا فيها ما يسرهم… سرهم مقتل متظاهرٍ دهساً بسيارة شرطة..
ونسأل الله له – والسابقين – الرحمة..
ولكن ماذا تفعل عربة تنطلق بسرعة جنونية ويظهر أمامها من يحمل حجراً؟..
بل وماذا تفعل الشرطة حيال جماعاتٍ مسلحة؟..
جماعات تتبع لحركتي الحلو – وعبد الواحد – وتسعى لعسكرة التظاهرات؟..
بل إن الشرطة – في فترة عنان هذه – مارست ضبط نفس طويل..
طويل… طويل… طولاً يجنن..
فيا أخي برهان: لا تطوِّل بالك أكثر من هذا..
لا تجعله كبال كاتب هذه السطور – أبي طويلة – حيال أستاذه الطويل..
ودعه ينتقل إلى صفٍّ نرتاح فيه من المظاهرات..
كما انتقل – هو – إلى صفٍّ ارتاح فيه من الخبط… والرياضيات..
فنرتاح من ليل التسويف هذا..
فهو ليلٌ ثقيل… وهبيل..
وطويل!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى