فك التعليق رهين بالتنفيذ

شركاء السلام.. يُسدِّدون ضرائب الإنقاذ

الخرطوم: مريم أبشر

بتراضي الطرفين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية على محتوى الإعلان الدستورى بعد الجدل الطويل الذي اعتور مسيرة التفاوض، وبعد توقيعهم معاً عليه لتجاوز مرحلة مرّ فيها السودان بأغرب السيناريوهات منذ استقلاله، يصبح الطرفان جاهزين للتوقيع عليه في احتفال كبير يخطط المجلس العسكري ليكون ختاماً مختلفاً لمشوار اختلطت فيه الدماء بالدموع والآمال بالمعاناة.

يُخطط الطرفان لكرنفال فرح كبير يمسح رهق الضائقة المعيشية واحزان الثكالى على أعتاب التحول الديمقراطي، فكان أن قرر دعوة الشركاء والوسطاء والأصدقاء كون السعادة الشيء الوحيد الذي لا ينقص إذا تم تقاسُمها مع الآخرين. ومع اقتراب انقشاع سحائب القلق والشقاق وهواجس الصراع والاحتراب تظل هواجس واهتمامات الشركاء الإقليميين قبل الدوليين تلح بضرورة إنزال ما تم الاتفاق عليه على أرض الواقع حتى يأتي التطبيع متزامناً مع التطبيق.

تقارير الواقع

التنفيذ الفعلي لمسودة الاتفاق التي تراضى عليها الطرفان على أرض الواقع مهمة جداً وخطوة يترقّبها الاتحاد الأفريقي بشغف، لجهة أن الأوضاع ما زالت هشة تتطلب قدراً من  التنسيق بين كل  الأطراف،  تجنباً لي انتكاسة قد تحدث أو مصاعب محتملة تعترض مسيرة التنفيذ، كما يرى السفير الطريفي كرمنو في حديثه لـ (الصيحة)، مضيفاً أن التطبيق وإنزال البنود على أرض الواقع من مجلس سيادي وحكومة تنفيذية، حتى يتمتع السودان بوضع مستقر خطوة ضرورية لكي يعيد الاتحاد الأفريقي النظر في قراره القاضي بتعليق عضوية السودان، ويعتقد أن المخاوف والشكوك من عدم التنفيذ قد تدفع بمجلس السلم والأمن الأفريقي الانتظار حتى يتم التأكد أنه لا نكوص عن اعتماد المدنية منهجاً لحكم السودان في المرحلة المقبلة، وفقاً لمطالب الشعب السوداني وثورته المجيدة.

 ويضيف مصدر حكومي، أنه بمجرد الاتفاق على هياكل الحكم ومراحل التحول الديمقراطى فهي خطوة في الاتجاه الرامي لتسريع عودة السودان إلى محيطه الأفريقي الذي ظل طوال سنين التحرر رقماً لا يمكن تجاوزه.

ثقل التركة

الولوج نحو مراحل التحول المدني هي ضربة البداية لمرحلة جديدة  للسودان، وخطوة جادة نحو استعادة موقعه في القارة السمراء بعد فك تعليق عضويته.

 ويعتقد السفير والخبير في الشأن الأفريقي السفير عبد الباقي كبير، أن المجلس العسكري جاء ليؤمن الانتقال للحكم المدني بطريقة سليمة، وأنه حريص على استقرار الأوضاع، وعزا عدم الثقة بينه وبين قوى إعلان الحرية والتغيير التي حالت دون التوصّل السريع لاتفاق يؤسس لمرحلة مختلفة للتركة الثقيلة التي ورثها من النظام المخلوع، الأمر الذي خلق احتقاناً كبيراً وانعداماً في الثقة بين مكونات قوى الحراك السياسي في الساحة السياسية السودانية، وحسب كبير لـ”الصيحة”، فإن هذه التركة ليس مسؤولاً عنها المجلس العسكري. ويعتقد أن الثورة نجحت بالتمازج في الإرادة السودانية الشعبية كلها والاستجابة التي وجدتها من المؤسسة العسكرية باعتبارها الحارس والضامن للثورة.

ملابسات التعليق

ومعروف أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، قد قرر في السادس من يونيو الماضي عقب اجتماع طارئ، تعليق عضوية السودان في كافة أنشطة الاتحاد، مُمهِلاً المجلس العسكري الفرصة لتسليم البلاد لحكومة انتقالية بقيادة مدنيين، وإلا سيتم فرض إجراءات عقابية على الأفراد والكيانات التي تعرقل انتقال السلطة، مع الأخذ في الاعتبار أن مبادئ ولوائح تأسيس الاتحاد الأفريقي تُحرّم الانقلابات العسكرية داخل عضويته.

وقال مختص في الشأن الأفريقي إنه ومنذ المصادقة على “إعلان لومي” عام 2000 موعد إعلان مولد الاتحاد الأفريقي وحتى الآن، شهدت القارة الأفريقية 18 انقلاباً عسكرياً، تعامل معها الاتحاد بتعليق العضوية والعقوبات والعزل السياسي، التي شكلت وسائل ضغط فعالة أسهمت في إعادة الدول التي حدثت فيها انقلابات، إلى النظام الدستوري خلال فترات متوسطها (20) شهراً.

عقوبات تأديبية

ويرى خبير في الشأن الأفريقي، أن الاتحاد دائماً ما يلجأ للعقوبات التأديبية والنوعية بحسب ظروف كل بلد، من بينها تعليق المساعدات، رغم التقليل من فاعلية العقوبات التي تفرض بواسطة الاتحاد، إلا أن خبراء يرون أنها فاعلة وناجعة في إحداث التغيير المطلوب باستثناء حالات محدودة، وبات في العرف والمبادئ الأفريقية التأمين على أن الانقلابات لم تعُد وسيلة فعالة للاحتفاظ بالسلطة كما كانت الحال عليها في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، بل أن  طريقها أصبح مسدوداً، وأن المخرج المتاح هو التنحي.

غير أن رأياً آخر مغاير يرى أن عقوبات مجلس السلم والأمن مصمَّمة للاحتواء والضغط المعنوي فقط، أكثر منها للإضرار بالدولة، وأن مجلس السلم والأمن الأفريقي كثيرًا ما يتأخر في فرضها، وحالياً يمارس سياسة النفس الطويل مع الأطراف السودانية حتى يأتي الاتفاق شاملاً ومُرضياً.

 وأضاف المصدر أن العقوبات تسبقها غالباً جهود سياسية مطولة ووساطات، لتبقى العقوبات الخيار الأخير، ضد الأنظمة التي ترفض بعناد استعادة النظام الدستوري، غير أنه ووفق المعطيات فإن تعليق عضوية السودان لن يطول خاصة وأن الاتحاد الأفريقي هو الوسيط الذي نال ثقة الطرفين، وأفلح في التوصل لمسودة الاتفاق التي ستشارك في حفل توقيعها كل دول مجلس السلم والأمن الأفريقي وقبلهم الاتحاد ممثلة رئيس مفوضيته فضلاً عن الشركاء والأصدقاء الذين لم يتركوا سانحة للتقريب بين الفرقاء أو دفع الدول والمنظمات التي يمكن أن تسهم في الحل، إلا اغتنموها من أجل إبعاد شبح الفوضى عن السودان الدولة المفتاحية في الاتحاد الأفريقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى