د. محمود الرزيقي يكتب : ديوان الزكاة..هل من أفق جديد؟

 

1  سبتمبر2022م

لا يمكن للزكاة أن تلعب دوراً محورياً في المجتمع ما لم تتبع منهجاً يتكامل مع أدوار السياسة الاقتصادية الكلية للدولة، وذلك من خلال أدوات محدَّدة بدقة وواضحة في التنسيق مع مختلف الوسائل والتراتيب الموصولة بتحقيق التوازن والاستقرار الذي تنشده النظريات الاقتصادية. والرائي لممارسات التطبيق العملي للزكاة في السودان، يلحظ ضرورة بذل المزيد من الجهود لترجمة القواعد الشرعية المتعلقة بالجوانب المالية والاقتصادية والاجتماعية إلى آليات صارمة تصلح للإحاطة بجوانب مشكلات الفقر وإذكاء روح الإنفاق بين الأغنياء وذوي المنعة والدثور.

وهذا يقودنا إلى أسئلة مشروعة : هل تمكَّن ديوان الزكاة من تحقيق توازن اقتصادي واضح خلال الأربعة عقود الماضية من تاريخ إنشائه الحديث؟ وإلى أي مدى استطاعت إدارته في تقديم خارطة إنجازات قابلة للقياس الدقيق والمحسوس في واقع الحياة العامة للناس في السودان؟ وكيف يبدو واقع الحريات المهنية التي ينبغي أن يتمتع بها العاملون في هذا المرفق؟

الإجابة إذا تجرَّدنا بصدق لا، وذلك ليس لقصور في الكفاءة الإدارية أو المهنية للعاملين في ديوان الزكاة، ولكن يأتي دائماً التراجع في تحقيق الأهداف نتيجة للتدخلات السافرة للحكومات المتعاقبة وما يلازمها من حواضن سياسية تبحث عن مصالحها الخاصة وتكثيف الوجود الأيديولوجي لاتباعها في مؤسسة الزكاة التي ينبغي أن تتمتع بالاستقلالية التامة حتى لا تضيع حقوق الضعفاء. فقد ولغت الأيادي الحزبية والشواهد كثيرة لدرجة أن أحد الأمناء العامين من ذوي الألقاب العلمية الرفيعة كان قد خصص موظفاً متفرَّغاً لاستقبال خطابات وطلبات الدستوريين التي لا تنقضي ولا ترد .

وبالتالي فإن الحكومات المتعاقبة كانت تساند وتدعم ديوان الزكاة حتى تنال من إيوانه ما تشاء، وليس ذلك إلا لأن أصحاب هذه الأموال هم الفقراء والأرامل واليتامى وغيرهم من الضعفاء الذين لا يقدرون على مناهضة وحماية حقوقهم من سدنة الأنظمة وأذنابها، الذين لا يستطيعون التجرؤ على أموال المؤسسات الأخرى بقدر ما يجدون من حسن الظن من العاملين أحياناً وتسييس المواقف في أحايين أخرى، الأمر الذي أثر على واقع الحريات المهنية وممارسة الإقصاء لكثير من الأمناء من قبل الولاة والفاعلين في دوائر الحكم، والتشريد التعسفي من الوظيفة وغير ذلك من أشكال وأفانين المخمورين بالسلطة الزائفة .

ولتغيير واقع الزكاة لمؤسسة رائدة بحق نحتاج لأفق جديد ينأى بالديوان من ألاعيب الساسة والسياسة، والعمل على إحكام التنسيق مع مؤسسات الحماية الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، برسم خريطة طريق علمية وعملية تفضي لإنجازات محسوسة ومقومة دون الركون إلى مقولة (تجربة السودان الرائدة)، فقد استطاعت كثير من الدول الإسلامية تحقيق إنجازات مقدَّرة بحصائل الزكاة في صمت وإخبات بعيداً عن الهتاف المكرِّر .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى