Site icon صحيفة الصيحة

سُوق العُملات من المتحكِّم.. المركزي أم التجار؟

الدولار

 

إعداد: سارة إبراهيم عباس  29 اغسطس 2022م

 

ذهبت (س) إلى السوق هي تحمل في محفظتها كميات من فئة الـ (20) جنيهاً، وعندما  أكملت احتياجاتها من الدكان وهامت بالمحاسبة تفاجأت برفض التاجر استلام المبلغ وعندما سألته عن السبب فأجابها بأن التعامل بهذه الفئة توقف منذ زمن ورفضت أن ترجع إليه المواد الاستهلاكية وطالبته بإبراز المنشور الذي أصدر لإيقاف التعامل بهذه الفئات بعد شد وجذب انتصرت عليه في انتزاع حقها ومثلها كثير من المواطنين الذين لا حولة ولا قوة لهم للمطالبة بحقوقهم.

(الصيحة) فتحت ملف الفئات الصغيرة من العملة ومن الذي يتحكَّم فيه التجار أم بنك السودان المركزي؟

 

 

سحب الماكينات

كشف مصدر مطلع بإحدى البنوك أن الخزائن في حدود لا تستطيع البنوك إتلافها إلا بواسطة المركزي، وقال: إن البنك المركزي سحب منذ بداية إسقاط نظام الإنقاذ كل الماكينات التي تعمل على إتلاف العملة لكي لا تكون عرضة للسرقة من العاملين، وحمَّل المركزي ما يجري -حالياً- من تدهور في العملية المصرفية وعدم مراقبة النظام.

الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي، قال: إن التجار يمتنعون من استلام الفئات الصغيرة من فئة العشرة والعشرين جنيهاً، والبنك المركزي لا يحرِّك ساكناً أن المتحكِّم في هذا الأمر واقع الحال وينبغى على الجهات الرسمية وعلى رأسها بنك السودان المركزي أن يكون لديه القدرة على استشفاف ما يحدث في السوق ويتفاعل معه بالسرعة المطلوبة، ولكن ظل بنك السودان بأمر غير مفهوم يرفض استلام الفئات الصغيرة من العملة والتي أصبحت خارج التداول العشرة والعشرين وحتى الخمسين جنيهاً، ما عادت لديها  قيمة حقيقة، بل تلاشت قوتها الشرائية وأصبحت ورق مطبوع لا قيمة وهذا خلل كبيرة من البنك المركزي كان من المفترض أن يبادر البنك المركزي من ضمن مسؤولياته، لا يمكن أن يورِّط البنوك الآن مخازن البنوك امتلأت بهذه الفئات ولا يستطيعون التصرُّف فيها وبنك السودان يرفض استلامها منهم وهذا عمل غير قانوني وأخلاقي، وقال الرمادي لـ (الصيحة): ينبغي على بنك السودان استلام عملته “البايرة” وينزل فئات أعلى مع ارتفاع معدَّلات التضخم في البلاد والآن الكل يحتفل بانخفاض معدَّلات التضخم إلى (200%) وأروبا تجأر بالشكوى، لأن معدَّلات التضخم وصلت إلى (8%) وأن (200 %) أحدث خللاً كبيراً في الاقتصاد وفقدان للقوة الشرائية للعملة، بمعنى أن ثلثي القوة الشرائية للعملة فقدت خلال سنة في ظل معدَّلات تضخم (200%) وهذا يعني أن         الـ(100) جنيه، قبل عام فقدت أكثر من (66%) من  قوتها الشرائية وهذا ينعكس على بقية الفئات.

وأوضح أن الاقتصاد الآن يسير إلى مراحل متازمة تجاوز مرحلة الركود الاقتصادي التضخمي وعندما تبطئ عجلة النمو والناتج الإجمالي وفقدان الموسم الشتوي والصيفي نتيجة لتلكؤ البنك الزراعي والتمويل وهذا يتولد عنه نقص في الغذاء لابد أن يسد بالاستيراد وهذا يرهق كاهل ميزان المدفوعات وأيضاً الطلب على العملات الأجنبية ويؤدي المزيد من تدهور قيمة الجنيه وهذا نتيجة الإهمال في تلافي مشاكل الاقتصاد الآن (3) سنوات، من الصراع السياسي ومستمر دون إيجاد معالجات اقتصادية ولا تحل مشاكل الاقتصاد من تلقاء نفسها بالرغم من البلاد بها من الإمكانيات ما يكفي قارة كاملة في كافة المجالات وما ينقصنا الإرادة وعدم التفرُّق للعملية الإنتاجية،وقال: إن مشاكل الاقتصاد تتسبب فيها الجهات الرسمية والبنك المركزي هو المسؤول من هذه الفئات عن جمع هذه الفئات واستبدالها بفئات أكبر، والأوفر له أن يطبع فئة الألف جنيه وألفي جنيه، لأنه مع التضخم الذي فات جموح الجموح يستوجب أن تكون هناك فئات كبيرة حتى لا تثقل كاهل المواطن بأن يحمل رزماً من النقود للتداول لأنها عبء وعدها مشكلة.

وقال الرمادي: عندما يصل التضخم إلى هذا الرقم يفرض على البنك المركزي أن يطبع المزيد من العملة لكي لا تحدث أزمات في طلب العملة.

ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي د. حسين القوني لـ (الصيحة): من مهام البنك المركزي تنظيم سياسة العملة بما في ذلك إصدارها وتجديدها بعد التلف وجمعها من البنوك والصرافات وفق قانون العملات الورقية والمعدنية والسياسات والوضع الاقتصادي الحالي حتى لا يؤثر ذلك على وضع السيولة في الاقتصاد.

وقال: في الآونة الأخيرة بعد طفرة زيادة أسعار الوقود أدت إلى خلل كبير في السوق وأصبح كل تاجر ينفذ سياسته والمواطن يدفع دون مجادلة في ظل انتشار السماسرة.

أصول جامدة

وقال القوني: إن الفئات الصغيرة  من العملة الـ( 5 و10 و20) أصبحت أصول جامدة غير مستقلة في الاقتصاد وهذه مشكلة اقتصادية كبرى، كان واجب البنك المركزي مراجعة ومراقبة حركة السيولة حتى فئة الـ (٥٠)  أصبح التعامل بها قليل جداً وهذا الأمر له أثر كثير جداً على النشاط الاقتصادي وبنك السودان لم يحرِّك ساكناً وتخلى عن مسؤوليته.

وشدَّد على أهمية تنفيذ القانون وإصدار قرارات رادعة بلا تقاعس، وقال: أصبحنا لا نحترم قراراتنا وعدم تنفيذها مهما كان حجمها.

هدر المال الفردي

وفي سياق متصل الخبير الاقتصادي د.هيثم محمد فتحي (الصيحة): إن غياب الفئات الصغيرة من العملة يشكِّل عبئاً على جميع المستهلكين، وهو المظهر الأول لهدر المال الفردي، وأضاف : في حال شراء سلع يقل سعرها عن أصغر فئة متداولة، فإنه لا يمكن استرجاع المتبقي من المبلغ، لعدم وجود فئات أصغر من العملة، وهذه الحالة لا علاج لها سوى قيام البنك المركزي بتوفير الفئات الأصغر،تحقيقاً للعدالة وتقليلاً لهدر النفقات الفردية.

التضخم الجامح

أشار فتحي إلى أسباب اختفاء الفئات الصغيرة هو التضخم الجامح الذي ضرب الاقتصاد السوداني وترشيق نظام العملة يسهل تداول الأرقام الحسابية ويساعد على إصدار فئات نقدية أصغر للمعاملات الصغيرة جداً التي اندثرت قيمها النقدية بالتضخم التاريخي وقبول الفئات الصغيرة يمثل عبئاً على البائع والمشتري، فإن هذه العملات منخفضة القيمة.

وفي نفس الوقت تمثل للبعض طوق نجاة، ومن دونها قد تصبح حياتهم مهدَّدة بالخطر،وشدَّد فتحي على  ضرورة دراسة حالة السوق وإيجاد حل، أما بتوزيع الفئات النقدية الصغيرة في رواتب الموظفين أو طبع عملات صغيرة سهلة التداول، مع الاستفادة من العملات التالفة للفئات الصغيرة أهمية كبيرة لكونها سهلة التداول بين المواطنين وتعمل على استقرار الاقتصاد فزيادة عرض النقد للفئات الصغيرة تؤدي إلى انخفاض معدَّلات التضخم، وتعطي انطباعا بأن الوضع النقدي في البلاد جيِّد في تقديري واحدة من عوامل الفساد التي يعاني منها السودان هي اختفاء العملات الصغيرة من الأسواق باستثناء كميات صغيرة طرحت في السوق لكنها لم تف بالحاجة.

وكثيراً ما تكون هذه الفئات الصغيرة الموجودة في الأسواق ممزقة أو مطموسة الكتابة، مما يجعل معظم البنوك السودانية ترفض استلامها في حين أن هذه المصارف نفسها تسلم عملائها في كثير من الأحيان هذه الفئات وأن العالم يتجه في المستقبل لإنتاج النقود البلاستيكية، لانخفاض تكلفتها وطول عمرها الافتراضي.

غياب الثقافة الاقتصادية

أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين مزمل الضي العباس،  قال: إن الحديث عن العملة والمؤثر الأساسي هو حجم الكتلة النقدية الموجودة في السوق فكلما زاد حجم وكمية النقود أدى ذلك إلى زيادة الأسعار والعكس في حالة انخفاضها، ويعتبر الأمر الآخر المؤثر على الفئات المختلفة للنقود هو القوة الشرائية والتي تتأثر بدورها بمعدَّلات التضخم فكلما ارتفعت أسعار السلع والخدمات أدى ذلك إلى انخفاض القوة الشرائية- أي تصبح القوة الاقتصادية للفئات ضعيفة لا يستطيع الفرد شراء سلعة ما، يستطيع من خلالها إشباع رغباته الاقتصادية، والأمر الآخر هو غياب الثقافة الاقتصادية  خاصة وسط التجار على سبيل المثال اعتقادهم بأن الفئات الصغيرة أصبحت غير متداولة رغم أن بنك السودان المركزي لم يعلن ذلك، إذ أن المحدَّد الأساسي للنقود هو بنك السودان المركزي.

كذلك انخفاض معدَّل دخول الأفراد يعمل على إحجام المستهلكين من استهلاك بعض السلع والخدمات وذلك بسبب ارتفاع الأسعار .

 

Exit mobile version