علي مهدي يكتب : تأسس معهد العالم العربي في باريس لإبراز قيم الحضارة العربية ومعارفها وفنونها وجمالياتها

27 أغسطس 2022م

معرض ممالك على النيل في باريس، زاد من عدد الجمهور وساهم في تعزيز موازنة المعهد يومها

حصل أهل الفنون السودانية على أفضل فرص العرض في أوروبا ومبادرات مدخلها بنجاح البرنامج الإبداعي المصاحب لمعرض ممالك على النيل في باريس

 

عدت يا سادتي امشي إليه المبنى الكبير معنى، والفهيم، حيث جمع تصميمًا عصرياً أحدث، فيه كل التفاصيل التي ما تشبه عمارة المكان إلى جوار نهر (السين)، والجسور التاريخية علية تنتصب علامات لتطور البناء في مدينة العلم والأنوار (باريس)، حتى في استخدامات واستعمالات مواد البناء، الظاهر فيها الحديد، واللامع أكثر فضي، نعم، لكنه يلتمع من انعكاسات ضوء الشمس إذا ظهرت بين غيوم (باريس)، ما تبقى لها من صيف ينهار أمام أمطار متصلة وموحية بنسمات الشتاء.
قام المبنى المبجَّل وجلس في مكان قصور وكنائس أقدم، الأرض الفسيحة كانت تتبع لجامعة (جوسيو). والبرج الحديدي في البعيد يقوم حارس عَلِي الزمن المضئ والتواريخ المجيِّدة، جعلت مبنى معهد العالم العربي فيها (باريس) الأجمل، أجمل فأجمل.
مشيت أسرع الخطوة، تسابق الآخرين، وتعرف الطريق، ومشت إليه مراراً مع تكرار الأسباب كلها، لكن الأهم هو التحضير لمشاركات إبداعية في فضاءات المعهد، والجمهور كان على موعد في كل الأوقات من عندي والمسرح الوطني- مسرح البقعة، وفي حساب بعض الأحباب عاشقي التوثيق، إنني الأكثر من بين صناع الفنون الأدائية العربية، تقديماً لأعمال جديدة على مسرح معهد العالم العربي في (باريس). ومنها فضاءات المعهد انتقلت بعدها إلى مهرجانات عربية وعالمية. فرجة (سلمان الزغراد سيد سنار) عرضت في برنامج السودان الكبير مطلع عام 1998م، (ممالك على النيل)، وبعد ذلك بعام عرضت على مسرح السلام بالقاهرة الأجمل، في مهرجانها التجريبي، سبتمبر من عام 1999م, وبالتحديد في ظهر يوم الحادي عشر من سبتمبر، وتلك حكاية أخرى.
امشي هذه المرة عَلى عجل وموعدي ورئيس معهد العالم العربي في باريس، معالي وزير الثقافة الأسبق في الحكومة الفرنسية، وكانت يومها الأبعد عن يوميات السياسة العربية- هكذا قالوا ولم أقل – الصديق (جان لاك) رئيس المعهد, هو الخامس أظن في دفتر رؤساء المركز. كان ولايزال الاتفاق أن تعيِّن الحكومة الفرنسية الرئيس، ويعيِّن مجلس الإدارة والذي يضم السفراء العرب في (باريس) المدير العام، ولقد عرفته لسنوات، كان حريصاً أن يشهد عرضي الأخير في باريس فرجة (بوتقة سنار) في باحة مبنى (اليونسكو)، يومها كان الاحتفاء بالاجتماع الأخير أظن مع معالي المديرة العامة لليونسكو السابقة السيدة (ارينا بوكوفا) واجتمعنا، من كل مناحي المعمورة، فنانين في مختلف فروع الفن، ثم العلوم والتربية، مغنين للأوبرا الفن الرفيع، وراقصي بالي، ووزراء تربية سابقين، ومشخصاتية مثلي، لمحت يومها أمامي سيد السينما الإيطالية (صوفيا لورين)، وكان اسمها ورسمها على ملصقات الإعلان لأفلامها، تنتشر في العاصمة المثلثة، يوم كانت لها دور عرض للسينما, يغشاه محبي الفن السابع، و(عرس الزين) بينها تلك الشرائط السينمائية، تدور بين دور العرض، ويعرض لشهور، ثلاث مرات، في الأمسية الواحدة على غير العادة، وأسمع ضحكتي تملأ سينما (كلوزيوم)، أو أجري بينها سينما (النيل الأزرق والوطنية بانت أو غرب، وجنوب، والعرضة، والنيلين، والصافية، وكوبر)، تلك أسماء دور العرض من عند سينما (برمبل) وحتى غيابها كلها بلا معنى. وضاعت الأحلام بين الجمهور المتزاحم ليشهد فيلم سوداني لكاتب كبير سيدي الطيب صالح قدس اللَّه سُرَّة، ومخرج كويتي عليه الرحمة الصديق (خالد الصديق نجلس مع الجمهور، ونفرح بالغناء المجيد، والتشخيص الفهيم للأساتذة الأجلاء، عوض صديق، محمد خيري، إبراهيم حجازي، يسين عبد القادر، عليهم الرحمة، وأمد الرحمن في عمر المبدعات تحية زروق، وفايزة عمسيب، كانت تلك (البوسترات) فيها تصاويرها الفنانة والفاتنة (صوفيا لورين) والعالم يحكي عنها بكل الحب والعشق والافتتان مع الامتنان، لأنها تزيِّن الحياة، وقصيدتي هذه في حُسنها طويلة ما قلتها في حينها، كنا معاً، أول مرة التقيها نحضر في مايو 1977م، لمحتها من بعيد في مقهى كبير خارج مدينة المهرجان (كان) على الشاطئ (اللازوردي)، هي تقدم واحد من أفلامها الجديدة، وأنا بين بين، مشخصاتي يحضر، ولأول مرة أشهد مع الجمهور فيلمي الأول (عرس الزين)، في أهم الملتقيات العالمية ومهرجانها الأهم، لم نتحدث ومضيفي الأجمل، صاحبة أكبر متجر النفائس من الزمرد الغوالي منها الحجارة الكريمة، أشارت إليها، وعمتي لم تكن خضراء، في أول عقدي الثاني بقليل، والفنان عندي يمشي نحو الفرص بقوة، لذاك في (باريس) بعدها بعقود جلسنا نتحاور في اجتماعات سفراء وفنانين اليونسكو للسلام. فتأمل فرص الفن، وحظوظ الفنانين لمًا تحين بعد عقود الزمان وأن مضت بما فيها من خير نحن له سعداء بما تحقق والحمدالله الودود.
لم أعد المشهد، النظرة الطويلة الموحية أن في الآمر شأن.جاءت وجلست بين الجمهور، في مبنى (اليونسكو) وكانوا كُثر، وشهدت معهم العرض الأحب عندي فرجة (بين سنار وعيذاب) ثم وقفت ودخلت مع الذاكرين ختام العرض، وأشهد أن فنانة مثلها (صوفيا لورين) قد شاركت في واحدة من أعمالي الفرجوية فسبحان الذي أسرى بعبده .
ولما لبينا دعوة معالي الوزير رئيس معهد العالم العربي الصديق (جان لاك) جلسنا متجاورين، وحكينا ما في الحكايات الممكنة إلا تلك الأيام في مهرجان كان السينمائي الدولي.
ولذاك عندي معهد العالم العربي في (باريس) كان مدخلاً مبتدئاً ومبتدعاً لمبادرات كثيرة في التعريف بالحضارة السودانية بفنونها المتعدد المتنوعة ولقد جلسنا تلك الظهيرة واليوم ما عطلة لكنه مشكور عرف بقصر إقامتي هذه المرة في باريس عَلى غير العادة وكما قبلها قد فتحنا مذكرات لتجديد التعاون وأعلم أن الدولة أكثر منا في القطاع الخاص حرصاً على اتصال التعاون خاصة والمعهد أصلاً الأقرب إلى تعزيز التعاون الفرنسي العربي الإسلامي خاصة وأن المبادرة جاءت بأسباب التأسيس عندما لاحظت الحكومة الفرنسية في نهاية السبعينات غياب كل أشكال التمثيل العربي في فرنسا في حين أنها كانت لها علاقات تاريخية قديمة فبنت الدولة في عام 1926م، جامع باريس الكبير ولكن بعدها غابت المؤسسة العلمانية والتي يمكن أن تسعى لإبراز قيم الحضارة العربية ومعارفها وجمالياتها.
وسبق لقاء باريس الأخير، افتتاح معرض (ترهاقا) العظيم الأسابيع الماضية بادرة من أهم متاحف العالم متحف (اللوفر) وتربطه بالسودان علاقات علمية وعملية وفنية قديمة ومتجدَّدة، وشهد الاحتفاء معالي وزير الثقافة والإعلام والسياحة الفنان الدكتور جرهام عبد القادر وسعادة سفير السودان لدى فرنسا الدكتور الأديب خالد فتح الرحمن، واستمر العرض لفترة حدد فيها فرص التعاون وتعمل الوزارة وأجهزتها المختصة من أجل أن تتصل هذه الجهود العلمية والفنية لعرض القطع الفنية الأثرية والتي يهتم بها العالم كثيراً
وذاك عندي دهليزي القادم نجدد به الأفكار حول التعاون الدولي في مجالات الفكر والثقافة والفنون والعلوم.
ولعلي الأسعد بأن فرص عرضي الثالث قادمة بشدة وبقوة وسحر الفن وقد عملت لسنوات على تكوين فرجة جديدة.
(عيذاب نافذة على بحر القلزم)
عن ومن قصيدة لسيدي ومحل ودي المؤسس للفرجة العربية والأفريقية الدكتور يوسف عيدابي، حفظه الرحمن. كان حواري في (باريس) لتكون جولة كبرى في مدن غير بعيدة عنها، ولتكون زيارة المسرح الوطني- مسرح البقعة أكبر هذه المرة، لنصوِّر بعض الشرائط القصيرة الروائية، ولتقدم عروضنا الفرجوية في أكثر من مدينة، تحدثت بشأنها، وتفتح الآن للمبدعين أوسع الأبواب من جنيف إلى بروكسل وما بينهما.
فيها (باريس) تعود للفنون والثقافة والعلوم الفرص من جديد. والصديق الحبيب سعادة السفير الأديب الدكتور خالد فرح، يسهم دوماً في تحقيق المبادرات الخلاقة لتصبح ممكنة. وذاك حديث التواريخ المجيدة. يوم استلمت تكليفي فنان اليونسكو للسلام، كان حاضرًا وشاهداً، وحكى بالفرنسية في الاحتفال الكبير في القاعة الأجمل في مبنى اليونسكو، بحضور السفراء والأهل في (باريس) ومن قدَّموا فرحين من مدن أقرب ومنها الخرطوم، وكانت ليلة فرح غامر، أكتب عنها يوم يحين يوم شكر الليلة وأهلها.
نعم باريس موحية
وتظل عندي الأجمل
سلمتوا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى